تامسومانت انرز

مْلِيدْ إِثِنْزَارْ خْوَانْثْ ثْمِزَارْ

لْكَرْمُوسَ

الخميس, أكتوبر 17, 2019

لَكَرْمُوس

 

التين الشوكي بجانب التين المعروف والمعلوم

من النباتات النادرة فيما مضى، إن لم تكن غير موجودة بالمرة، في أيت مخشون.  ومع الأسف لم يسبق لي أن سألت أحدا كيف تم إدخالها إلى البلدة؟ أبفعل مقصود من طرف شخص، استقدم فسائلها أو شتلاتها من أماكن تواجدها مثل ما كان يعرف بـ”لْغَرْبْ” وبالضبط بـ” تَمْزَّارْتْ” ضواحي “بوزملان” الحالية حيث يستقر هناك جزء من أيت مخشون بعدما هاجروا إليها منذ أكثر من خمسة أجيال، على الأرجح طلبا لمزيد من الرزق والأمان، أو من منطقة ما يعرف بـ” لْمَلاَّحَة” في قبيلة بني يازغة بالقرب من “المنزل” مع جلب الملح المنجمي من هناك، أو ما شابه ذلك من الأماكن الأخرى المحتملة كمدينة صفرو باعتبارها أقرب مدينة للمنطقة، أو بطريقة عفوية بواسطة فضلات الطيور المهاجرة مثلا؟ ولا في أي زمان تم ذلك؟ وقد آتسع اليوم نطاق تواجدها  داخل وخارج هذه البلدة، عكس ما كان عليه الأمر سابقا حينما انحصرت في المكانين المعروفين بـ “السهب أوعير” و” سيدي لحسن”.

والاسم الذي اشتهرت به هذه النبتة، ذات الثمار اللذيذة الدالة على بديع صنع الله عز وجل، والتي تمثل أوضح مثال على إمكانية اجتماع “النقمة” و”النعمة” في كيان واحد، وأعني بذلك نقمة الأشواك العالقة بجلد الثمرة و”نعمة” لذة لبها، هو”لْكَرْمُوسَ”.   وقد تفطن “اَللَّغَّازُونَ” (مخترعوا الألغاز) لذلك، فنظموا عليه ألغازا منها ما يلي:

“حَاجِخَاشْتْ  زِبَرَّا دْعُوذُوبالله، زْچْجَنْسْ دْبِسْمِ الله”، بمعنى، بالدارجة المغربية: “حاجيتك على لمن برا أعوذ بالله ومن داخل باسم الله؛ وبالفصيح: ما هو الشيء الذي يستعاذ بالله من ظاهره ، ويذكر اسم الله على باطنه”  ، و” تُغَرْسْ ثْلاَثْ لْمَرَّاتْ أُرْدْزِّيسْ فِّغَنْ إِدَمَّنْ” ، أي “تدبحات ثلاث دلمرات أمخرجش الدم منها؛ أي، ذبحت ثلاثا تنزف دما”.

 ومن الأسماء المقابلة للاسم المحلي لهذه النبتة، : الصبار، بالنسبة للنبتة، والتين الشوكي بالنسبة للثمار، بالعربية، و”الدَّرْچَّة” و”الزَّعْبُولْ”، و” لْهَنْدِي” و”كَرْمُوسْ نْصاَرا”… بالدارجة المغربية، و”أَكْنَارِي” بتشلحيث المغربية  و Cactus باللاتينية، وFiguier de barbarie بالنسبة للنبتة وFigues de barbarie بخصوص الثمار، بالفرنسية…

تنتمي هذه النبتة لفصيلة الصباريات التي تضم أكثر من  2000 صنف موزعة على ثلاثة فروع رئيسية منها فرع ما يشتهر ب Figuier de barbarie.

ويرجع علماء النباتات  أصل هذه النبتة إلى القارة الأمريكية الوسطى وبالضبط لما يعرف اليوم بالمكسيك. وهي نبتة الصحاري بامتياز بما حباها الله به من قدرة على مقاومة الظروف القاسية لذلك المجال وخاصة ندرة المياه. فالصبار يمتاز بالقدرة الفائقة على التعايش مع الجفاف ومقاومته لسنين عديدة بفضل استعمال مدخرات ومخزونات أنسجته من المياه والإفرازات المغذية.

وإلى جانب استعمالاته في التغذية، ما فتئنا نسمع من حين لآخرعن اكتشافات نتيجة البحث في خبايا هذه النبتة وخاصة في مجال التجميل، والتداوي. كما لا تخطأ العين منتوجاتها المتنوعة في مجال التغذية .

إنطلاقا مما سبق، يمكن طرح السؤال التالي:

“هل إنتشارهذه النبتة، وخاصة خارج مجالاتها التاريخية، أي الأماكن القاحلة و”تراميها” على أماكن أخرى واتساع رقعة تواجدها،  نعمة أم نقمة ؟”، بمعنى آخر، ما هي دلالات ودروس انتشار الصبار؟

بدون شك الحكم والتقييم سيختلف باختلاف وجهات النظر. فنظرة الثري المتمكن من الضروريات الأساسية، المتطلع للمزيد من الكماليات، الغارق في “الملذات”، لا يعير الأمر كبير اهتمام. فما دام في مقدوره الحصول على كل شيء بالمال، والمال معه،  فما يضيره انتشارها أو تقلصها. أما الفقير الذي لا زال يكابد الأمرين من أجل إنتاج لقمة عيشه وعيش أسرته، وأعني به على الخصوص المشتغلين بالزراعة المعيشية وبتربية المواشي للاسترزاق بها، فسيرون في ذلك دليلا واضحا وملموسا على تراجع الأماكن الرطبة وشح الأمطار، وبوادر التصحر والجفاف والقحط لا قدر الله، وما ينتج عن ذلك من مآسي من انتشار المجاعات والأمراض، وغير ذلك. كما أن في ذلك، نذير شؤم، لا قدر الله، لتراجع الأمطار، وبالتالي نذرة المياه مما يؤدي إلى وقوع صراعات ونزاعات، ولم لا حتى الاقتتال من أجل البقاء. وقد حذر من ذلك العديد من الكتاب والمفكرين والاستراتيجيين منذ وقت غير قصير، ونبهوا إلى أن حروب القرن الواحد والعشرين ستكون في حقيقة الأمر من أجل الاستحواذ على المقدرات المائية التي أصبحت تتراجع بشكل مهول بسبب التغيرات المناخية الناتجة عن الانحباس الحراري، الناتج بدوره عن انتشار وتكاثر الملوثات بمختلف أنواعها.

فالكوارث الطبيعية، من فيضانات، وأعاصير، وحرائق غابوية… ماهي إلا مظاهر وتجليات ومؤشرات على فقدان التوازن البيئي الذي خلق الله عليه الكون منذ الأزل. وما ذك، إلا بفعل البشر. وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول:” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴿41﴾ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ” (سورة الروم:41 و42).

فما كان ضمنيا وخفيا في أسباب الصراعات الدائرة على رقع عدة من العالم، وخاصة في الشرق الأوسط، كما تنبأ بذلك، المفكرون، فإنه قد أصبح يطفو وينكشف للعيان شيئا فشيئا. ومن المرجح أن تتفاقم الأمور مستقبلا إلا أن يرحم الله الجميع بألطافه ويغيثنا بالغيث النافع. فلولا تراجع صبيب نهر النيل مثلا لما كان هناك صراع خفي قد يتحول إلى حرب شاملة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى باعتبارها مصدر مياه النيل، خاصة بعدما قررت بناء سد ” النهضة” الذي قد يتسبب في اختلال تزويد دولتي السودان وخاصة مصر بهذه المادة الحيوية التي جعل الله منها كل شيء حي.

والماء كان دائما موضوع ومحل نزاع عبر العصور، وخاصة بين القبائل والعشائر والبطون وحتى بين مكونات تجمعات بشرية معينة. فالخلاف على مخصصات وحصص الري أكبر دليل على ذلك على الرغم من أن أغلبها تمت معالجته بوضع ممارسات صارمة وأدوات مبتكرة من أجل توزيع عادل للسقي وهو ما يسمى عندنا بــ” النوبات” أي الري بالتناوب وفق نظام محدد مسبقا.

ولكن يظهر أن حدة هذا النزاع، واتساع رقعته بملامسته لأماكن كانت من قبل في منأى عنه، ستزداد، لا قدر الله، قوة مستقبلا. ومما زاد الين بلة، التوسع في استعمال ماء الري واستصلاح الأراضي بحفر الآبار واستعمال أدوات السقي الحديثة وخاصة ” السقي بالتنقيط”، وما يستوجب ذلك من خزانات كبيرة للضخ عن طريق الضغط عبر أنابيب بلاستيكية، مما يستنزف الفرشات المائية التي لم تجددها ممكنا أو بطيئا نظرا لتراجع التساقطات المطرية والثلجية وبالتالي توالي سنوات الجفاف.

وقد وصل الأمر حدا مقلقا في بعض المناطق لدرجة تهدد الساكنة بالعطش. وبذلك، بدأت أصوات الاستغاثة تتعالى من هنا وهناك للمطالبة بإيجاد حلول للمعضلات قبل استفحالها. وما النقاشات الحادة المثارة من حين لآخر على صفحات الفيسبوك حول مشكلات الماء إلا أمثلة حية عن حدة نقصان هذه المادة الحيوية والاستراتيجية. ولقد تكونت قناعة أن توفير الماء حق من الحقوق الأساسية لبني البشر. وفي هذا الصدد، فقد روي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:”الناس شركاء في ثلاث، في الماء والكلأ والنار”. والفقه الإسلامي زاخر بقواعد وفتاوى بخصوص الماء واستعمالاته. كما لا ننسى أن الإسلام يحث على الاقتصاد في استعمال الماء وعدم الإفراط والإسراف في ذلك، والحفاظ على نقائه وصلاحيته للاستعمال في العادة والعبادة. وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم واضحة في هذا المجال ومنها ما روى أحمد وابن ماجه، وحسنه الألباني، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِسَعْدٍ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ: «مَا هَذَا السَّرَفُ؟»، فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ»”.

فيا كل واحد منا، عوض أن تجادل الغير في أحقيتك في امتلاكها، والاجتهاد وربما التلاعب في كيفية أخذ نصيب الأسد منها والاستحواذ عليها، أو ، العياد بالله،  منعها عن غيرك، عليك أن تشكر الله أولا وآخرا على نعمتها إذا توفرت، بالاقتصاد في استعمالها، وأداء حقها باقتسامها مع المحروم منها. ولا تكن أنانيا. ولا تأخذك الحمية، والعصبية، والعاطفة، وربما التكبر والنخوة … على الاستمرار في تجاهل الغير وقضاء مآربه. وكن من الذين خاطبهم الله بقوله:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ، وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ،اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ، وَاتَّقُوا اللَّهَ ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” ( المائدة الآية 8). ولا تكن كالذي قال عنه:  ” وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم، ولبئس المهاد” ( البقرة 206).  فبشكر الله تدوم النعم وتزداد. ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” (إبراهيم/ الآية 7). وعليك على الخصوص، تغيير تصرفاتك ومراجعتها لاستدراك كل اعوجاج ومعالجة كل خلل، عل الله يغير ما بنا ويرحمنا بالغيث الذي به تنفرج الكرب، وتزول الشدائد وينتشر الخير. “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم…” ( الرعد/11) . ومما يساعد على ذلك، أداء كل الفرائض، التي فرضها الله عز وجل، والاقبال، قدر المستطاع، على سنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والاستغناء بالحلال عن الحرام، ولزوم الاستغفار، مصداقا لقول الله عز وجل على لسان سيدنا نوح عليه السلام: “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ” ( نوح الآيات 10 و11 و12).

وخلاصة القول، أن التوازن البيئي قد اختل بالفعل. والأدلة على ذلك كثيرة.  والمسؤولية في كل ذلك، على كل واحد منا، بطبيعة الحال بدرجات متفاوتة. والاهتمام بخطورة الوضع وضرورة التحرك من أجل إصلاح وإنقاذ ما يمكن إصلاحه وإنقاذه. وما تزايد النداءات من أجل المناخ والمحافظة على البيئة في العقود الأخيرة، وتواتر انعقاد اللقاءات الدولية والمؤتمرات العالمية من أجل البيئة، على غرار مؤتمرات أطراف اتفاقية المناخ المنبثقة عن أول قمة للأرض، (ريو دي جنيرو/ البرازيل سنة 1992) ، إلا أبرز دليل على ذلك.

وبخصوص تلك المؤتمرات، فقد وصل عددها لحد الآن 24 موتمرا( COP24 سنة 2018 برومانيا)، على أن ينعقد الخامس والعشرين في العاصمة  الشيلية في دجنبر المقبلCOP25) ) ، فيما سبق لمراكش أن استقبلت سنة 2016 الدورة ) COP22). وفيما يتعلق بالتوعية، فلا يجب أن يظن أن ذلك من السهل بمكان. فلا بد من الصبر والإلحاح، سيما إذا كان المخاطب أو المخاطبون ممن لا يفقهون إلا قليلا أو أي شيء بالمرة عن هذا الموضوع.

والصور المرفقة أخذت في غشت في 2019 بجوار منزل عائلة انرز الجديدة والعتيقة. وهي بعدسة هاتف أحد أفراد طاقم تامسومانت.

لحسن بن محمد انرز

لْكَرْمُوسَ-

فضاء نباتات آيت مخشون

تزخر منطقة آيت مخشون بتواجد عدد مهم من النباتات المختلفة، مما يشكل ثروة غنىة تساهم مساهمة فعالة في التنوع البيولوجي والمحافظة عليه، وتستوجب العناية لتوريثها للأجيال القادمة . وعلى الرغم من أن هذا المجال، كغيره من المجالات الأخرى التي يطمح موقع "تامسومانت" أن يساهم في التعريف بها وتوثيقها، مقتصر على ذوي الاختصاص وعلماء النباتات، لأنه علم قائم بذاته وتخصص لا ندعي نصيبا لنا فيه، ولا نزعم  تعويض أحدا فيه، فإننا، في إطار المحاولة " تامسومانت" لحفظ الذاكرة المحلية بخصوص هذه النباتات،  سوف نحاول من خلال هذه الصفحة جرد أهم النباتات بأيت آيت مخشون مقرونة، قدر الإمكان،بأسمائها بتمزيغت المحلية ثم بمقابليها العربي والفرنسي.

وكما لا يخفى يتعرض بعض أجناس هذه النباتات  للانقراض. ويكفي أن نعرف أن بعضها  قد أصبح اليوم نادر الوجود إن لم تكن قد انقرضت بالفعل، بعدما كان تواجدها إلى عهد قريب وفيرا.

فعلى سبيل المثال، فإن بتة "لْبَرْوَاجْ" ( البَرْوَاق/ العيصلان /Asphodèle)  هي على وشك الانقراض.  بل،  بحثت عنها شخصيا في الأماكن التي كنت متواجدة فيها بوفرة في الماضي،   فلم أجد منها إلا فسيلة صغيرة ووحيدة في "بوخاموج"، وبالضبط أسفل مسلك السيارات في الجهة المقابلة للموضع المعروف بــ" ثَسْمَنْثْ لْبَرْوَاجْ"( حقل البرواق). وما يقال عن البرواق يقال كذلك عن نبتة "أُفّالْ" ( كلخ) ...

لحسن بن محمد انـــرز

ابحث في الموقع

النشرة البريدية