تامسومانت انرز

مْلِيدْ إِثِنْزَارْ خْوَانْثْ ثْمِزَارْ

قنطرة أيت مخشون-kentra
قنطرة أيت مخشون-

قنطرة أيت مخشون

السبت, أبريل 9, 2016

قنطرة أيت مخشون

 قد تكون من الذين شاهدوا القنطرة المشهورة في منطقة المرس بــ” قنطرة أيت مخشون” . إن لم يكن ذلك قد حصل بصفة مباشرة وعيانا، فقد يكون بطريقة غير مباشرة بواسطة الصور أو” الفيديوهات”، أو على الأقل قد تكون قد سمعت بها وما كان من انهيارها وجرفها بسبب الفيضانات المدمرة لمنتصف يوم الجمعة 10 أكتوبر 2008 ميلادية للوادي الذي أقيمت عليه. فإذا لم يكن قد حصل أي شيء من ذلك، فإليك أيها القارئ الكريم ما يليّ

فكرة القنطرة وتطورها:

 

بناء على ما ذكره الثقاة المعاصرين لخروج مشروع تلك المعلمة المأسوف على فقدانها إلى الوجود، فإن السبب في إنجازها، بطبيعة الحال بعد الله سبحانه وتعالى، يعود إلى ملتمس قدمه المعروف في حياته بــ” محمد المقدم” إلى ” القبطان لوكاصو  Lucassu” ( كَاصُو باختصارعامة الناس). وقد كان ذلك أثناء مروره والوفد المرافق له بدوار أيت مخشون في طريقهم إلى دوار ” تِلْمِرَاتْ”.

وللتذكير، فقد كان دوار أيت مخشون آنذاك من بين الممرات الضرورية، إن لم يكن الممرالوحيد،  للتنقلات بين الشرق والغرب، وخاصة بالنسبة التنقلات العسكرية من وإلى “المرس” والتحصينات والثكنات العسكرية الفاصلة بين قبيلة أيت سغروشن وقبائل مرموشة والتي أقيمت في إطار استراتيجية الاحتواء التي انتهجتها السلطات العسكرية الفرنسية تجاه القبائل المذكورة.

وللإشارة، فقد كانت تلك القبائل، بقيادة المتحالفين “سيدي رحو العرفاوي”، صاحب “زاوية أيت عرفة ” و”مولاي امحمد”، القيم آنذاك على “زاوية أيت سغروشن” المشهورة بـــ” ثمانية عشر ضامنا”، أهم ركائز الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي للمغرب تحت ذريعة ” الحماية”، ولاسيما في تلك المنطقة التي تعد معاقلها الأساسية.

وقد كان الغرض من تلك الاستراتيجية والإجراءات المصاحبة لها، منع تبادل المساعدة فيما بين القبائل المعنية تحضيرا لمحاصرة كل واحدة منها على حده تسهيلا لإخضاعها وكسر شوكتها. وكانت ثكنات كل من “جبل بويملالن”، و”فج العافية”، و”أجرد نتلمرات”، تشكل أهم حلقات السلسلة المكونة للحزام المشيد في إطار الإجراءات المشار إليها.

وبخصوص الملتمس السالف الذكر، فقد ذكر أنه قد تمت التوطئة له بحسن استقبال الضابط المذكور في منزل المرحوم محمد المقدم وإكرام وفادته، وبالتالي استغلال فرصة مروره من هناك والوقوف بنفسه على المعاناة التي يشكلها عبور الوادي الفاصل بين طرفي الدوار المذكور، لعرض أهم المشاكل التي تعاني منها الساكنة، وفي مقدمتها بطبيعة الحال، تحدي الطبيعة الذي يشكل الوادي أبرز تجلياتها. ذلك الوادي الذي قد يعزل سكان ضفته اليمنى عن نظرائهم في الضفة اليسرى لممد قد تصل إلى شهور، ولاسيما خلال السنوات المطيرة والوفيرة التساقطات الثلجية. وبناء على ذلك، فقد تقدم بطلب بناء قنطرة تحل هذا المشكل حلا جذريا.

إكراهات، وخصائص التشييد:

وبالفعل تطورت الفكرة من مجرد رغبة تم التعبيرعنها بكل صراحة إلى مشروع قائم الذات عمل الضابط السالف الذكر كل ما في وسعه لتحقيقه. ومن ثم تقرر بناء القنطرة أساسا بمجهودات وخبرات ومواد محلية بحيث لم يتم تجاوزها إلى غيرها إلا فيما لا يمكن الحصول عليه محليا، ومن ذلك على الخصوص “الهندزة”، وبعض المواد كالأخشاب والأسمنت والحديد. أما فيما عدا ذلك، فالمعتمد فيه هو المحلي. فاليد العاملة والبنائين كانوا كلهم ينتمون إلى أفخاذ قبيلة أيت سغروشن بما فيهم بطبيعة الحال أيت مخشون. وما قيل عن اليد العاملة والبنائين، يقال عن المواد المستعملة في البناء من أحجار وكلس (الجير) والرمال والحصى. كل ذلك قد تم بسواعد أهل القبيلة ودوابهم في إطار ما يعرف بــ”السخرة” التي كانت معروفة في عهد الاستعمار.

وللعلم، فبموجب مسطرة السخرة  Réquisition يكلف الناس بتأدية الخدمات العامـــة (للمخزن)، بل وفي غالب الأحيان أيضا للخواص ( من “قياد” و”شيوخ” ومن في حكمهم) بدون مقابل وعلى نفقاتهم الخاصة. وفي بعض الأحيان تمتد هذه السخرة إلى التموين والمواد التي تدخل في حكمها كتسميد الأراضي بالأسمدة البيولوجية التقليدية المعروفة بـ” الغبار” وحرثها أو حصدها.

وعلى ذكر السخرة، فلا بأس أن نورد هنا شهادة الفاضل المحترم السيد محمد بن امحمد أفتيس،   بارك الله فيه. فقد ذكر في معرض حديثه عن ذكرياته الدراسية في مدرسة المرس، والتي بالمناسبة تبعد عن دوار أيت مخشون بحوالي سبع كيلومترات، أنه رافقه ذات صباح والده رحمه الله حاملا على “بغلته” زنبيلا مملوءا عن آخره بروث البهائم ( السماد الطبيعي المعروف محليا بلغبار) متوجها به إلى أحد حقول القائد في مركز المرس مساهمة مفروضة في عملية تسميد أراضي القائد المذكور. مما يظهر أن الحرية لا تقدر بثمن، وأن حالنا اليوم أبعد ما يكون عما عاشه الآباء والأجداد. فهذا الحادث إن ذل على شيئ، فإنما يدل على أن الاستقلال وما يرمز إليه من الانعتاق والحرية نعمة لا تقدر بثمن.

 علاوة على ذلك، فقد أنجزت بـــ” السخرة” عدة مشاريع في المنطقة. ومن تلك المشاريع والتكاليف، شق الطرقات كالطريق الرابطة بين صفرو وبولمان، وإعداد الفحم الخشبي من غابات تغبولة، وعين النقرة وغيرها.فكان السخرة تفرد على الفرد لمدد قد تصل إلى خمسة عشر يوما في كل فترة، وكذلك على الدواب. وقد وثق كثير من الشعراء تلك المعاناة ونظموا في حق السخرة تلك أشعارا وقصائد لم يصلنا منها، إلا جزءا من قصيدة مشهورة للمرحوم السيد الحسين أصالح، من أيت صالح المتواجدين بين سكورة وبولمان. وإليك أيها القارئ الكريم ما حفظته ذاكرة شاعرنا الكبير المرحوم السيد لحسين بن علي إجروساون من تلك القصيدة، وذلك استجابة كريمة لطلب تقدمنا له به بتاريخ 10 أكتوبر 1981 ميلادية بمقر”زاوية ثمانية عشر ضامنا” في “تغزوت أيت أحمد”:

Matank 1

“مَتَنْكْ إِمَتَوْنْدَازِنْوْ أُرِغُدِي

كُصْبَاحْ جَّارِي أَلِدْ إِقَّارْ غْرُخَامِ

أَسِخْشْ أَلْعْوِينْ أَوْضَخْ  أَلَبْرِيدْ  شِّيلِي

إِصُّضْفَاخْ لْبَالاَ هَدُزْيَاوْ غْرُفُوسْ

أَسِنْدْ إِثْلْمَصَّ  هَدِسْ إِعْمَادْ وُّزَّالْ

أَلَنْخْ إْسْهْنَشِ وْمْخِيبْ أَبْدَادْ أَرِلِّ

أَلَسْ خَدْمْخْ إْشَوْرْيَازْ أَمْنَكْ شّْلِ

مَلِّ شْخَدْمْخْ أَيَنْشْثَ يِيخْ ثِحْلَّبِينْ

مَيْدِقَدَّانْ ِوْنَّ دِتْنَيْنْ ثِشَّاوْنْ

إِسْكَدْ لْمَنْجُورْ إِلْغْوَبِي بْنَانْ لْبِيرُو

قَاحْ مَنِيِلَّ وْبْرِيدْ اَلْثِسْمْنَلَ

نَّانْ بُيْبْلاَنْ إِوْعْرْ إِيَ خْسِسْفُلاَ

لِّيْثُلِينْ إِرُمِّينْ إِيْ أَسْشَارْ زْدَداسْ

أَفْلَّ نْعَبْدَلْبَاقْ أَيْنِّيَ لْبَرِجْ أَخَاثارْ

ثِبْرَثِينْ أَسَّ وَرْيَدَ حْلَنْثْ وَالُو

يَانْشْ أَسَّ چْعْمُودْ أَدْبَلْغَنْ أَوَالْ

مَيْدْدِطْمْضَضَّانْ دْوَدِتْنَايْنْ  إِطَيَّارَا

إْشَّانْ أَمْشْلِ دِبْرِيزْ رُحَنْدْ إِنْسْ عْنْسْ إِثَارزَا

و في غياب الإمكانات المُيَيْسِّرَةِ للعمل كما هو الحال اليوم، فقد كانت معاناة الناس والدواب شديدة من جراء العمل في ورش القنطرة. فأحجار البناء أو الموجهة للأفران الخاصة بحرقها وتحويلها إلى مادة الجير في درجة عالية تصل إلى حوالي 950 درجة مائوية لمدة لا تقل عن 24 ساعة بدون انقطاع، مما يتطلب كمية كبيرة من الحطب (أغصان الأشجار عادة) في عملية شبيهة بفوهة البركان النشيط وإلى أت يتحول لون النار الحارقة إلى بياض. ويقتلع النوعيان (أي حجر البناء والحجر الجيري) من مقالع محلية ولكنها بعيدة عن مكان تشييد القنطرة أو تواجد الفرن، مما ستوجب تنقيلها على ظهور الدواب بوسائل جد عتيقة كالزنابيل. وتشتد وطأة هذه المعانة مع صقيع الأيام الباردة، وما أكثرها وأقساها. وبذلك، فقد كان الناس يتذمرون من تلك الأشغال ويعبرون عن سخطهم تجاهها برفع أكفهم إلى الله عز وجل أن ينتقم لهم ممن كان السبب فيما هم فيه. وكل ذالك كان معروفا ومشهورا فلا مجال للتفصيل فيه.

ولكن، وكما يقول المثل ” عند الصباح يحمد السرى”، شاءت إرادة الله عز وجل أن تكتمل القنطرة ويبهر بناؤها النفوس وتظهر أهميتها، وبالتالي تنجلي الحكمة من الطلب المقدم بشأنها ويعم نفعها كل الناس، ليس فقط سكان أيت مخشون، ولكن كذلك كل الوافدين من مختلف المشارب والآفاق. وبذلك تحولت النقمة على من تسبب في تشييدها إلى مديح وإشادة ودعوات بالرحمة بعد الممات. وما أكثر ما سمعناه من ذلك ندعو الله عز وجل أن  يتقبلها من أصحابها ويجعلها في موازين حسنات من وجهت له أو لهم. فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا ولا يظلم أحدا، مصداقا لقوله عز من قائل:” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” نسأله أن يجازي المحسنين خير الجزاء وأن يتجاوز عن المسئين بفضله ورحمته.

وعلى الرغم من عدم وجود أية لوحة أو وثيقة تؤرخ للحدث، وبحسب تقديرات من سبقونا إلى الدنيا وعاشوا تلك الفترة، فيمكن إرجاع فترة إنجاز قنطرة أيت مخشون إلى حوالي منتصف القرن العشرين الميلادي.

وبناء على المعلومات المستقاة من الذين ساهموا بأيديهم في بناء القنطرة المذكورة والعمل في مشروعها، فقد مر التشييد بعدة مراحل. فبعدما تم اختيار المكان المناسب للتشييد بحسب المواصفات المعتمدة آنذاك ( وخاصة وجود أرضية صلبة صالحة لاستقبال المنشأة)، تم حفر ثقوب في الحجارة الصماء المتواجدة في قعر الوادي المكونة للقاعدة التي تبنى عليها الأساسات وتم حشوها بــ”أوتاد” ( قطع حديدية من نوع ما يستعمل كدعامات السياجات) تم تقطيها من الأعمدة التي جلبت من السياجات المحيطة بالتحصينات العسكرية السالفة الذكر.

Kentra Taghzot

وبعد حشو الثقوب بالأوتاد الحديدية ولف حولها وفيما بينها الأسلاك المشوكة المجلوبة من نفس الأماكن المذكورة، تم طمرها بخليط مكون من الأسمنت والرمل والحصى والجير. أما ما عدا الأساسات، وقواعد الارتكاز، فقد بنيت بالحجارة “المنجورة” بسواعد البنائين المهرة والتي يتم تثبيتها وتلحيمها بلحمة مكونة من الأسمنت والجير والرمل. وبحسب ما ذكره لنا الفاضل المحترم السيد محمد بن عقى أجرد، بارك الله فيه، وقد كان أحد الذين سخروا لتحضير اللحمة المذكورة، أنه يتم ” تخمير” خليط مكون من جزئين ( وزنين) من الرمل وجزء ( وزن) من مادة الجير لمدة معينة، أي تركه لتتفاعل اجزاؤه، وبعد ذلك حينما يحين وقت الاستعمال يضاف له جزء( وزن) من الأسمنت ثم يتم خلط الجميع وتسليمه للبَنَّاء عند الطلب.

وقد شكل بناء هذه المنشأة التي لم تشهد المنطقة مثيلا لها من قبل ولا من بعد إلا فيما يخص القوس الحامل لساقية أيت علي بالمرس المشيد في سنة 1945 وقنطرة “تفردوست”، مما شكل تحديا كبيرا للمشرفين على البناء والعمال على حد سواء.

 فمياه الوادي واتساع مجراه، وعلو المنشأة الذي تجاوز عشرة أمتار كل ذلك كان يشكل صعوبة كأداء لعدم توفر الإمكانيات. ولاستحضار تلك الصعوبات، فليتصور كل منا كيف يمكن الحفر للأوتاد في الصخور بأدوات يدوية بسيطة لا تتعدى إزميلا ومطرقة. كما أن حفر الأساسات وردمها بالحجارة والخرسانة لتكون قواعد صلبة لتحمل ثقل المنشأة وتقاوم المياه الجارفة للوادي يعد أمرا غاية في الصعوبة في وقت لم تتوفر فيه بعد المضخات الضرورية والصالحة لذلك. وما يقال عن حفر الأساسات وردمها، يقال عن البناء الذي تم جزء منه في مجري الوادي وعلى علو كبير.

وقد شكل كل ذلك تحديا كبيرا، سيما إذا تصورنا حجم المياه التي كانت تتدفق عبر الوادي ولاسيما أثناء الفيضانات والشهور الماطرة التي قد تستغرق عدة شهور، بحيث يصعب الاقتراب من الوادي فكيف بالعمل فيه. وكانت الصعوبة تزداد مع المرور من مرحلة إلى أخرى، ولاسيما حينما توقفت الأشغال على الانتهاء من بناء الأقواس وما يستوجب كل ذلك من معالجة ومعاملة خاصتين لا يتقنهما إلا الراسخون في الحرفة. فصلابة تلك الأقواس متوقفة على ربط كل أجزائها وأطرافها بلبن تتوسطها أقفال هي مفاتيح القوة والصلابة الضروريتين ليتحمل الهيكل النهائي للقنطرة الأثقال التي تمرر عبرها.

ومن المعلوم أنه يستحيل بناء تلك الأقواس بدون قوالب خشبية تعطي الشكل المطلوب وتكون الدعامات التي تتحمل ثقل الأحجار الخاصة بإنجاز دوائرها قبل أن يتم الانتهاء منها بالأقفال الختامية السالفة الذكر. وتركيب تلك القوالب والمحافظة على ثباتها في أماكنها ضد الرياح بالخصوص طيلة مدة البناء يعد تحديا كبيرا آخر، كان لزاما على المهندز والبنائين إيجاد حل له. وأمام قلة الإمكانيات، والاطمئنان إلى انصياع الناس، استخدمت أثقال أجسام بعض الشبان لحفظ توازن سِقَالات (Echafaudages) القوالب الخشبية إلى أن يتماسك من تلقاء نفسه بفعل ثقل الحجارة التي يتم بناؤها فوقه.

وبصفة مجملة يمكن القول، أن القنطرة عبارة عن منشأة معمارية متميزة تتكون من خمسة أقواس متفاوتة العلو والعرض. إثنان منها يتواجدان في مجرى الوادي مباشرة يصل عرض كل واحد منهما إلى حوالي 8 أمتار و84 سنتمترا. وأن علوها عن سطح الماء عند مستواه الأدنى في الصيف حوالي 10 أمتار و 22 سنتمترا. أما عرضها فيبلغ حده الأقصى بالقرب من شجرة الزيتون التي توجد في ملكية السيد محمد بن يوسف المشرع 4 أمتار و80 سنتمترا. في حين لا يتعدى في وسط القنطرة 3 أمتار و55 سنتمترا. أما سمك دعامتاه الرئيسية التي تحمل القوسين الكبيرين والتي توجد في وسط الوادي، فهي تصل عند القاعدة 1 متر و20 سنتمترا. و بعد الارتفاع بحوالي 2 أمتار، حوالي 96 سنتمترا. أما طول الجزء المغطى من القنطرة بالأسمنت المسلح فيصل إلى 34 مترا.

وإجمالا، فإن الغالب الأعم في تشييد تلك المعلمة هو الحجارة والرمل والجير.

DSC00043-2

vlcsnap-85421

Kentra 2

وأن استعمال الأسمنت والحديد اقتصر على الخصوص على الأسس والسطح.

Sans titre 2 bis

 ومع ذلك كله، فقد صمدت تلك المنشأة المعمارية لمدة تجاوزت نصف القرن إلى حوالي منتصف يوم الجمعة 10 أكتوبر 2008.

DSC00038

وكانت معبرا آمنا ليس فقط للراجلين من الإنس والحيوانات، بل كذلك للعربات بما فيها بعض الشاحنات التي يجاوز وزنها أحيانا خمسة أطنان.

PONT VERS 1993

أهمية القنطرة الاستراتيجية:

يعد منتصف يوم العاشر من أكتوبر 2008، السالف الذكر، حدثا تاريخا في دوار أيت مخشون. وسيبقى راسخا في أذهان الناس إلى الأبد. وقد يتخذه البعض منهم منطلقا للتأريخ. وما ذلك إلا لأنه الحمولة التي شهدها ذلك اليوم قد حطمت كل الأرقام القياسية ولم ير مثلها من قبل. و لا غرو، فقد جرفت كل الأشجار المتواجدة على ضفتي الوادي والتي يتعدى عمر أكثرها القرون.

وبحسب بعض الآراء، فقد كانت الأشجار المجروفة هي السبب فيما جرى  للقنطرة. فبعدما حملتها المياه من العالية ضاقت بها فتحات أقواس القنطرة وتراكمت فيها وانحصرت المياه بفعل ذلك لتتراجع إلى الوراء مكونة بذلك بحيرة غير مسبوقة بعلو يتعدى العشرة أمتار، فلم تستطع بناية القنطرة تحمل ثقل كل تلك المياه فتهاوت تحت وطأتها.

ولا يفوتنا أن نُذَكِّر هنا، أن تلك القنطرة قد تمت برمجتها في عهد الاستعمار ضمن مشروع كان يرمي إلى ربط قرية المرس بمدشر”إسوكا”(في الدائرة الترابية “لإيموزار مرموشة”)، ومن ثم إلى جهات أخرى، منها شرقا نحو “ميسور” عبر “ألميس مرموشة”، وما والاه، وشمالا نحو ” العدرج” عبر “أيت ألمان” و”تلميرات” و”أيت علاهم”، وجنوبا نحو ” سرغينة ثم ” بولمان” وباقي الجهات، وغربا نحو انطلاقا من “المرس” نحو سكورة ثم إلى جهات أخرى.

كما شكلت القنطرة المذكورة ممرا آمنا، ليس فقط لسكان مدشر أيت مخشون، الذين ينتقلون عبرها في كل الاتجاهات لزراعة حقولهم ورعي ماشيتهم والتزاور، والذين يمررون فوقها ماء السقي لمزارعهم وماء الشرب لمساكنهم، بل كذلك لسكان المداشر المجاورة  سواء من قبيلة أيت سغروشن أو من قبائل مرموشة الذين ينتقلون من وإلى الشرق والغرب، نظرا لما توفره من اختصار للطريق وتقريب للمسافات لمن يريد التسوق من أسواق ألمرس وسكورة و أيت بازة وإيموزار مرموشة.

ومن البديهي أن الحاجة للقنطرة تزداد خلال فترات فيضانات الأمطار الرعدية، خاصة في الصيف والخريف، وكذلك أثناء المواسم الماطرة وذوبان الثلوج بحيث يرتفع منسوب الوادي لشهور ولايمكن الانتقال من ضفة إلى أخرى بدونها.

تحديات جرف القنطرة ومحاولات رفعها:

شكل انهيار القنطرة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل، ضربة موجعة لكافة سكان دوار أيت مخشون، بل لكل ساكنة المنطقة، وبالأخص لمن يتواجد منهم على الضفة اليمنى للوادي. كيف لا وقد تم حرمانهم من معبر يعد المسلك الوحيد للتسوق من المرس ومراجعة الدوائر الإدارية المحلية التي تتخذ منه مقرا لأنشطتهم. إضافة إلى ذلك، فقد عاقت الوضعية الناتجة عن ذلك الانهيار التزاور بين سكان الضفتين وقضاء مآربهم الحياتية، من خدمة الأراضي، ورعي الماشية وما إلى ذلك. فكان لزاما والحالة هذه البحث أن يتم اللجوء محليا إلى حلول عاجلة، على أمل أن تتدخل الدولة لمعالجة الوضع معالجة جذرية.

 الكابل والبكرة:

وهكذا، تفتقت أفكار بعض شبان الدوار على مد كابل من الكوابل المستخدمة في الربط الكهربائي بين مكان مرتفع في الضفة اليمنى نحو مقابله المنخفض على الضفة اليسرى بحيث يمكن المرور عبره باستخدام بكرة حديدية لتيسير المرور. ولكن نظرا لخطورة هذه الوسيلة وصعوبة استخدامها من كافة الناس، ومحدودية فعاليتها نظرا لاستحالة الرجوع عبرها إلى المنطلق، أي إلى الضفة اليمنى، تم التفكير في تطويرها وبالتالي تعويضها بما هو أفضل وأنجع. وبالفعل، فقد تم تحويلها إلى عبارة يمكن استخدامها من وإلى الضفة اليمنى بنوع من السهولة مقارنة مع سابقتها.

 العبارة:

فكما يظهر من الصورتين الآتيتين، فمبدأ هذه الوسيلة الأخيرة مبني هو الآخر على مجموعة من الكوابل تتوسطها حلقة مصنوعة من عجلة سيارة يجلس الشخص الذي يريد العبور وسطها ويتم تحريكها يدويا، سواء من طرفه أو من غيره في الاتجاهين، بحيث يتولى الكابل المحرك للعجلة نقلها ومن فيها من ضفة إلى أخرى بيسر بفعل دورانه حول البكرتين الحديديتين المربوطتين في شجرتين على ضفتي الوادي.

 DSC00657

Sans titre bakara 1وقد استمر العمل بهذه الوسيلة إلى أن تم تعويضها بما هو أحسن منها، ألا وهو الممر المعلق فوق الوادي.

الجسر المعلق:

بعدما أبانتا الوسيلتان السابقتان عن محدوديتهما في تلبية ضروريات السكان،  مع بطبيعة الحال تفاوتهما في ذلك، تم التفكير مرة أخرى في وسيلة أكثر نجاعة لتأمين تلك الضروريات. وهكذا تم الاتفاق بين بعض الشبان المقيمين مع بعض الغيورين ممن يعملون ويسكنون خارج الدوار لإنجاز جسر معلق لتأمين تلك الحاجيات.

فبدأت الاستعدادات والإجراءات الضرورية لذلك ومنها، حفر الأسس، وتجميع الأحجار، والرمال، والحصى، ونقلها إلى عين المكان. ثم الشروع في بناء القواعد الضرورية للعمل ورفع الدعامات التي ستستقبل الكوابل التي ستحمل الجسر، ثم شراء المستلزمات  للازمة لذلك من أسمنت وقضبان الحديد وكوابل ومثبتات و مطنبات وغيرها. ولم ينتصف شهر شهر غشت 2009 ميلادية حتى أخذ الجسر شكله النهائي وبقيت فقط بعض التدخلات لتحسين العمل وتدعيمه.

بقي أن نشير إلى أنه وعلى الرغم من مرور أكثر من سبع سنوات على فقدان القنطرة المبينة أعلاه، فليس هناك أي تدخل من الدولة لمحو آثار الفيضانات التي تحدثنا عنها والتي تسببت في خسائر فادحة وعلى رأسها وفي مقدمتها جرف القنطرة التي نحن بصدد الحديث عنها.، علما بأن لجنة قد أحصت الخسائر الناجمة عن تلك الكارثة الطبيعية، وأن طلبا في الموضوع قد سلم إلى السيد وزير التجهيز والنقل أثناء الزيارة التي قام بها إلى المرس بتاريخ 4 أبريل 2009.

DSC00663

(بكرتان من بكرات الكوابل المستعملة في إنجاز الجسر)

Sans titre 3 bis

( مد الكوابل ونسج الأسلاك فوق الوادي)

Photo 034 bis

DSC00667

DSC00666

Sans titre 5 bis

معالم آيت مخشون

كما هو الحال بالنسبة لمختلف مناطق المغرب، تتوفر منطقة أيت مخشون عل عدة مآثر ومعالم منها ما ليس للبشر فيه سبب نوردها تحت عنوان “معالم غير بشرية”، ومنها ما أنتجته يد الإنسان نتعرض لها تحت عنوان “معالم بشرية”. سوف نحاول هنا، إنشاء الله، إعطاء الزائر الكريم نبذ عن المعالم الطبيعية التي تتواجد في منطقة أيت مخشون. وسوف تكون البداية  بــالكهوف انطلاقا بـــ"إِفْرِ نْثْفْرَان" مرورا ب"إِفلفْرِ وُّچُّوجْ"، ... ثم بباقي المعالم قدر المستطاع. لحسن بن محمد انـــرز

ابحث في الموقع

النشرة البريدية