تامسومانت انرز

مْلِيدْ إِثِنْزَارْ خْوَانْثْ ثْمِزَارْ

أَمُشِي-

أَمُشِي

الأحد, يونيو 21, 2015

ثمسومنث لتوثيق بعض العادات و التقاليد المخشونية

عادات وتقاليد أيت مخشون، هي نفسها الموجودة في باقي بطون وأفخاذ القبائل المجاورة وخاصة، ما ينتمي منها  لقبيلة أيت سغروشن سيدي علي، مع فوارق خفيفة. ونظرا لكثرتها وتشعبها، ننتقي منها على الخصوص، عادات “أَمُشِي/ الخطبة” ،  و”ثَمْغْرَ”/ الزفاف”، و”سٍّبْعْ”/العقيقة”، و”لْعْدْلاَنْ/ الختان”…

وسوف نفتتح هذه السلسلة بحول الله بالحديث عن الخطوبة .

فيما يخص “أَمُشِي” (الخِطْبة):

فكما هو معروف، فالخِطبة بكسر الخاء، لغة، طلب الرجل المرأة للزواج، واصطلاحا، طلب النكاح ممن يعتبر منه. وهي من مقدمات الزواج. وقد شرعها الله قبل الارتباط بعقد الزوجية ليتعرف كل من الزوجين على صاحبه. ويشترط لصحتها، أن تكون المخطوبة حلالاً للخاطب عند الخطبة، وأن لا تكون مخطوبة لغيره.

مراعاة التقاليد:

وانطلاقا مما سبق، وجريا على عادات السلالات الشريفة، فقد كان المخشونيون المقبلون على الزواج، فيما مضى، يعطون الأولوية للخطيبات المخشونيات باعتبارهن شريفات. ولكن هذا لا يمنع من التزوج من غيرهن، ما عدا من حفيدات الولي الصالح سيدي علي بن يحيى رحمه الله، وذلك احتراما لنصوص الاتفقاق الذي وثقته الذاكرة الشعبية لعقب هذا الأخير وحليفه الولي الصالح سيدي لحسن بن مخشون، جد أيت مخشون.

وبحسب ما هو مشهور لدى الجانبين، فإن الاتفاق المذكور الذي ربما أملته ضروريات الحياة المعاشة آنذاك وما يقتضيه ذلك من تعاضد وتكافل وتحالف بين الواليين المذكورين، يقضي بعدم تزوج أبناء سيدي لحسن من حفيدات سيدي علي، على أن يترفع أحفاد هذا الأخير عن إرثهم من أمهاتهم المخشونيات.

مقدمات الخطوبة:

وبعدما يستقر اختيار “زوج المستقبل” على من يعتقد أنها قد تكون شريكة حياته، يفاتح في ذلك أهله. وإذا ما فاز بموافقتهم، يتولون الخطوات اللاحقة والضرورية لبلورة الفكرة، أي “أَسُوثَرْ”، وهو ما يعني طلب اليد. فيفاتحون أهل العروس المنتظرة. وإذا ما تم الاتفاق بين الطرفين، يتم المرور إلى الإعداد لعملية ” أَمُشِي” (الخطبة) بصفة علنية.

طقوس حفل الخطوبة:

وحينما يقترب الوقت المحدد “لأموشي”، يطوف العريس، أو من ينوب عنه، على كل مساكن المدشر لدعوة جميع أفراد الجماعة ذكورا وإناثا كبارا وصغارا إلى الحفل الذي سيقام بالمناسبة، أي حفل الخطوبة. وفي اليوم المحدد، يرسل ‘المخسور”، أي المؤونة الضرورية للحدث، من منزل الخاطب إلى منزل المخطوبة في موكب خاص ووفق طقوس معينة. ويتضمن هذا “المخسور”، على الخصوص، “أَمْعَرْقَبْ” (المعرقب/ الذبيحة). وبخصوص هذه الكلمة، فربما مقتبسة من مصطلح ” العرقبة”، أي قطع أحد عرقوبي الذبيحة أو كليهما. وهي عملية معروفة ومستعملة كثيرا في الماضي، وخاصة في العمليات التي يراد منها التقرب إلى شخص أو مجموعة أشخاص كطلب الحماية والدخول في الحلف، أو طلب المساعدة والحماية، أوطلب العفو والصفح أو طلب الصلح والهدنة. وبصفة مجملة فهي لطلب قضاء حاجة من الحاجات. ولذلك، فهي تحاط بنوع من القدسية نظرا لكونها مقترنة بإهراق الدم بطريقة مثيرة ومؤثرة. فالذبيحة تترك تنزف قبل ذبحها أو نحرها لفترة بحيث “تروي” بذمها أكبر قدر ممكن من الأماكن المراد “إرواؤها”. وعادة ما يتم ذلك بحضور وفد مكون من “مشفعين” من أهل الحل والعقد والمكانة المعتبرة في المجتمع كـــ” الشرفاء” وغيرهم من ذوي الصلاح والتقوى أو الجاه والسلطة. وهذا العمل، ربما قد يشبه بحالة تقديم القرابين والذبح على النصب المعروفة لذى المجتمعات القديمة.

إضافة إلى “أمعرقب”، تتضمن المؤنة والهدايا المرسلة لمنزل المخطوبة ما يعرف بـــ”نْفَقْثْ”، وهو تصحيف أو “تمزيغ” (أي تحويل إلى الأمازيغية المحلية) لكلمة “النفقة”، وتعني هنا ما تفرضه العادة من كساء للمخطوبة وأمها وبعض الأفراد الآخرين حسب المستطاع، وكذلك بعض الهدايا الأخرى بحسب المتعارف عليه.

مراحل حفل الخطوبة:

وما أن يصل الموكب إلى منزل المخطوبة حتى يبادر متزعمه بالطلب من ساكنيها استضافتهم وقبولهم كظيوف الرحمن مرددا ” نْسُّثْرَوْنْ ضِيفْ الله” ( أي نحن ظيوف ربنا). وبطبيعة الحال،  يستجاب لذلك بالقول “مَرْحْبَ سِنُجِوْنْ رْبِّ” (أي مرحبا بظيوف ربنا)، وبغير ذلك من العبارات والإشارات الترحيبة و ب”الأهازيج والزغاريد”. ثم يشرع مباشرة في ذبح ” أَمْعَرْقَبْ/ الذبيحة” والقيام بالإجراءات الضرورية لتحضير الطعام للمدعوين الذين سيفدون مساء على مكان الحفل. وعادة ما تبدأ السهرة المسائية بتجاذب أطراف الحديث بين الحاضرين، تتخللها من حين لآخر رشفات كؤوس ” أَتَايْ” (الشاي الأخضر) المعدة بعناية من طرف من له دراية وخبرة، والتي يتكرم “أُمْسَخَّرْ/ مقدم خدمة متطوع ” بتوزيعها على الحضور، ولا يقاطعها من حين لآخر، إلا صوت الطالب وهو يرتل ما تيسر من الذكر الحكيم.

وكما جرت العادة، يتم توزيع الشاي إما دفعة واحدة على كل الحضور انطلاقا من اليمين، وذلك حينما تكون سعة ” أَبَرَّادْ” أو “إِبْرَّادَنْ” (إبريق/ أباريق الشاي) تسمح بذلك، فيقال حينذاك إن ” أبراد إِصُّوضَفْ إِوْجَمُّوعْ” (محتوى الإبريق استوفى الحضور)، أوعلى دفعتين أوأكثر إذا لـم يكن هناك إلا ” براد ” واحد، أوكان عدد الكؤوس محدودا، أو كان عدد الحضور يفوق سعة ” أبراد” أو “إبرادن”. ولكن كيفما كان الأمر، فـــ”أمسخر” مُستأْمَن على “عملية التوزيع” وحريص أشد الحرص على أن ينال كل واحد، بغض النظر عن عمره ومكانته الاجتماعية، حظه من الشراب العجيب المشهور باسم “أتاي”. والكل متأكد من ذلك، وينتظر دوره. ولا يمكن الانتهاء من “أتاي”، ولو كان الطعام جاهزا، “قْبَلْ أَدِقْفَلْ دُّورْ” ( قبل استكمال الدور). فالحرص على “الدور” شديد، ليس فقط من قبل “أمسخر” ولكن أيضا من القائم على إعداد الشاي ومن الحضور. فالأنانية لا محل لها من “الإعراب” في مثل هذه المحافل.

 ويستمر الحال على هذا المنوال إلى أن تتوقف الرغبات في الازدياد من الشاي، ويحين وقت تقديم الطعام، فترفع حينئد ” الصِّينِيَّةُ” (الإناء الفضي الذي يضم الأدوات الخاصة بالشاي)، ويؤتى بـــ”شْلاَلْ وَلْفُوطَ” (الطست والمنديل) لغسل الأيادي، ثم يقسم الحضور إلى “ثِسْقِمَ” (مفردها ثَسْقِمُوتْ” أي جلسة للطعام أو مجموعة) متساوية العدد، عادة ما لا يتجاوز عدد أفرادها ستة أو سبعة. ثم يوزع عليها ما تيسر من الطعام أولا بأول وبحسب كفاية الأواني في بعض الأحيان. وفيما يخص تقديم الطعام، فتشكيلته تغيرت هي الأخرى مع مر الزمان. فبعدما كان لا يتعدى في القديم طبقا واحدا، وهو طبق “أُوشُّ سُيْسُومْ” ( الكسكس باللحم)، يتم تقديمه في قصعات مصنوعة محليا من خشب “أَضَرْضَارْ” ( الدردار)، أو خشب “َأَخْلِيجْ” (شجر البلوط)، أصبح في العقود الأخيرة، تحت تأثير العادات “الطارئة الواردة”، ولأسباب أخرى، منها ارتفاع نسبي في مستوى المعيشة، وحب تقليد الغير لدرجة التكلف في ذلك في بعض الأحيان، تتنوع أطباقه.

ومن أهم الأطباق التي زاحمت طابق الكسكس التقليدي السالف الذكر، الذي قد يستغنى عنه الآن بصفة نهائية بدعوى أن الإقبال عليه أصبح ضعيفا، طبق المرق باللحم المعروف بــ” دْوُازْ”، والذي، عكس الكسكس لا يمكن تناوله إلا بالخبز.

فيؤتى أولا بــ” ثِخْدْلِينْ أُغْرُومْ” (مفردها “ثَخْدُولْث أُغْرُومْ ” أي الرغيف أو قطعة الخبز المستديرة)، فتوزع (” ثسقم”) بالتساوي، بواقع قطعتين إلى ثلاث في الدفعة الأولى على كل “جلسة”. فيعهد إلى أحد أفراد الجلسة، عادة إلى من هو أكبرهم سنا أو أكثر احتراما من القوم، بكسر جزء منها وتوزيعها على من معه في الجلسة،. ثم يستقدم طبق المرق وبعده ماء الشرب. فيشرع في الأكل بعد تسمية الله تعالى. فيأكل كل مما يليه، ويترك اللحم إلى الأخير لكي يوزع بالتساوي، عادة، من طرف الشخص الذي تولى تقسيم الخبزمن قبل. فيقسم هذا الأخير ذلك اللحم على “إِمٌورْنْ”، أي الأنصبة وهي على شكل كومات صغيرة متقاربة الحجم إن لم تكن متساوية، على عدد من أكل من ذلك الصحن.

وبعد الانتهاء من عملية التقسيم السالفة الذكر، يختار المقسم بين تسليم الأنصبة لأصحابها بالطلب من كل واحد منهم أن يأخذ النصيب الذي يليه، وإما أن يقول لأحدهم “مْشْثَا أَخْغَثَسِيثْ”، وهو ما يعني حرفيا، “على كم ستأخذ”، فيجيبه هذا الأخير، عادة، “على 16″، فيشرع المقسم في العد من 1 إلى 16 مبتدئا من وسط الصحن ووسط الدائرة المشكلة من الأنصبة فيقول “وَاحْدْالله وقد يزيد لاشريك له”، تقريرا بوحدانية الله، ثم يختار أحد الأنصبة كمنطلق لمدار العد على باقي الأنصبة إلى حين الوقوف.

وبعد انتهاء الجميع من تناول الطعام، وترفع الموائد وتغسل الأيادي، يتم الشروع  في عقد مجلس ” أمشي” برئاسة “طالب/فقيه” الجماعة باعتباره المؤهل لتوثيق الحدث. فيؤتى، في مستهل هذا المجلس، بالهدايا المقدمة للتأكد من مطابقتها للشروط المتعارف عليها. وفي مقدمتها ” نْفَقْثْ أُمُشِي” للعروس وأمها، وما يعرف بــ “سْتَاعْشْرْ مُوزُنَ” ( المهر/ الصداق).

سمة المهر أو الصداق المخشوني:

هو عبارة عن مبلغ مالي يختلف مقداره من عهد إلى عهد. إلا أنه من الثابت أن قدره، فيما بين المخشونيين، يتم تحديده من قبل الجماعة، وبالتالي، لا يجوز لأي فرد من تلك الجماعة أن يخرج على الإجماع بهذا الخصوص دون أن يعرض نفسه للعقوبات الجاري بها العمل في مثل تلك الحالات، والتي قد تقتصر على “عقوبة” “لَنْصَافْ”، (تصحيف كلمة الإنصاف) ، أو تتجاوز ذلك لتصل إلى حد الطرد من الجماعة أحيانا، مع ما يتبع ذلك من مقاطعة ومحاصرة إن اقتضى الحال.

والحكم “بلنصاف” ليس في الحقيقة عقوبة، وإنما هو تكليف في المتناول لأنه تراعى فيه الوضعية المادية للمحكوم عليه بهذا الإجراء، ويكون في الغالب مقبولا وعن طيب خاطر المحكوم عليه. والقصد منه إرضاء الجماعة وتطييب خواطر أفرادها والتعبير عن الطاعة والانضباط  ومدى استعداد المحكوم عليه لمسايرة قرارات الجماعة. وهو يرمز إلى تحقيق العدل وجبر خاطر المظلوم والمعتدى عليه. وتختلف تلك “العقوبة”، باختلاف أهمية ” الجرم” الذي يقتضي” لنصاف”. فأقصاه إطعام الجماعة بكامل أفرادها ذكورا وإناثا كبارا وصغارا، وأدناها إطعام مجموعة محددة من الأفراد يختلف عددها بحسب الحالات.

وبعد التأكد من مطابقة الهدايا لما هو معروف بين الجماعة أو يتم الاتفاق على تجاوز ذلك، إذا أرتأت عائلة المخطوبة ذلك، يتم الشروع في باقي أركان العقد وهي الرضى بحيث تختار المخطوبة من ينوب عنها كعربون على قبولها للزواج ثم يطلب من نائب الخاطب لإلقاء صيغة الإيجاب. فيتقدم مبتدئا كلامه ببسم الله ثم بالصلاة على النبي 3 مرات قبل أن يخاطب نائب ولي العروسة طالبا منه المخطوبة للزواج من الخاطب مكررا ذلك 3 مرات في أدب ووقار واحترام تام للمجمع وذلك كما يلي: اسيدي اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 3 مرات ثم يقول يا سيدي فلان بن سيدي فلان ( ينطق اسمه واسم أبيه كاملا وبالجهر) رني كنطلب منك للا فلانة بنت سيدي فلان ( يسمي المخطوبة باسمها واسم أبيها) لسيدي فلان بن سيدي فلان ( ينطق اسم الخاطب واسم أبيه) على سنة الله ورسوله (3 مرات). وحينما ينتهي نائب الخاطب من كلامه، يطلب من نائب المخطوبة أن يتقدم ليجيب على إيجاب نائب الخاطب وذلك فيما يعرف بالقبول فيصلي بدوره على النبي 3 مرات ثم يرد على طلب نائب الخاطب بطبيعة الحال في وقار واحترام تامين، وذلك كما يلي: اسيدي اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 3 مرات يا سيدي فلان بن سيدي فلان ( يذكر اسم ونسب نائب الخاطب) قد يشترط شرطا أو شروطا لقبول طلب الخاطب. وهذه الشروط إما حقيقية، حسب ما هو جائز وما جرت به العادة لدى الجماعة، أو من قبيل البسط والتفكه لإضفاء المزيد من المرح والفرح على الحفل ( كأن يقول: قبل شرطي نعطيك فيسمي شرطه. فيجيب الخاطب: محمول مقبول )، أو قد لا يكون هناك أي شرط فيقول أنذاك: رني كنعطيك للا فلانة بنت سيدي فلان ( إسم ونسب المخطوبة ) لسيدي فلان بن سيدي فلان (إسم ونسب المخطوب له) على سنة الله ورسوله 3 مرات كذلك.

وبعد الانتهاء من “صيغ أمشي”، يتولى فقيه الجماعة تلاوة ما تيسر من الذكر الحكيم. وغالبا ما يقتبس من القرآن الكريم ومن الأحاديث النبوية الشريفة ما يستشهد به على عظم رابطة الزواج ومكانتها المتميزة في ديننا الحنيف ثم يشرع في الدعاء المعروف بــ”الفاتحة” كإشارة لإتمام الخطوبة. ويتلو ذلك مباشرة، إشهار الحدث بالزغاريد ودق الدفوف، واصطحاب الخطيب وسط ذلك إلى “جلسة (حفل) الحناء”، حيث سيجلس إلى جانب خطيبته، عكس المشاهد والمعاش في عصرنا، لأول مرة وآخرها قبل أن تزف إليه، في انتظار استكمال دق “الحناء” وتحضيره ليخضب بها الخطيبان أياديهما. كل ذلك في جو شاعري مملوء بالأهازيج وترديد الأشعار المعهودة في مثل هذه المناسبة. ومنها تلك المدرجة في الفقرة الخاصة بالأشعار من هذه البوابة.

وتقتضي العادة المرعية أن تفرغ من قامت بتحضير خلطة الحناء كمية منها في يدي الخطيب. ثم يتولى هذا الأخير عصرها بين يديه فوق يدي خطيبته فتسيل من يديه نحو يدي هذه الأخيرة. وبعد ذلك، تقوم الخطيبة بفعل مثل ما فعل الخطيب  وبذلك ينتهي ” الطقس الخاص” بالحناء وتستمر الحفلة إذا ما دعت الضرورة إلى طلوع الفجر، حيث يتفرق المتأخرون. أما المعجلون، فقد انصرفوا بمجرد الانتهاء من دعاء ” فاتحة” الذي يختم به مجلس العقد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

كلمة حول الصداق ( المهر) المطبق بأيت مخشون بين الأمس واليوم:

للتذكير، فقد كان هذا الصداق سنة 1932 ثمانون (80) ريالا (400 فرنكا) كما يتضح من الوثيقة أسفله:

الصداق المطبق بأيت مخشون بين الأمس واليوم

ثم انتقل بعد ذلك إلى ألف فرنك أي مائتي ريال. إضافة إلى مبلغ مماثل يقدم لولي المتزوجة كـــ” رشوة”، كما يتبين من وثيقة عقد الزواج الموالية المؤرخة في 14 فبراير1955. وبخصوص الجزء من الصداق المصطلح عليه بــ” الرشوة”، فهو يختلف عن الجزء الأصلي من الصداق بكونه لا يمكن استرجاعه في حالة فسخ عقد الزواج  بسبب راجع للزوجة أو لولي أمرها.

الصداق المطبق بأيت مخشون بين الأمس واليوم

وبدون شك، فإن ارتفاع المهر من ثمانين إلى مائتي ريال كان يشكل في ذلك العهد عبئا لايستهان به على المقبلين على الزواج، سيما وأنه مقرون بمبلغ مماثل غير قابل للاسترداد. إضافة إلى ما يرافق ذلك من ارتفاع في تكاليف المعيشة ومنها بطبيعة الحال المستلزمات الضرورية للزواج من ثياب العروس وما إلى ذلك مما يشكل أمام الشبان آنذاك عقبة كأداء تحول بينهم وبين الاقتران بفتيات أحلامهم.

وربما هذا ما تم توثيقه بطريقة فنية شعرية في هذا الموال باللهجة المحلية الذي، مع الأسف، لا يعرف لاناظمه أوناظمته ولا في أي تاريخ تم ذلك،  والذي يقول:

“أَثِخْثْ أُغْنَّانْ يْنَّ دِمْوَلَفْنْ أَيْخَّ لْحَالْ نِّخَاشْ يِوْضْ لِزَارْ خْمْسْثَاعْشْ أُمَبُوْفُلْ مْشُرَاسْ إِوْشِ

(يا حسرة على حال من تحابا ولم تسعفهما الأحوال المعيشية الصعبة التي أوصلت ثمن “الإزار” (أحد مكونات حلة العروس) إلى خمسة عشر (غالبا العملة هنا بالريال أي جزء واحد من العشرين التي يشتمل عليها الدرهم الواحد الحالي)، و” المجدول” (حبل مجدول من الحرير تتخذه النساء للزينة وكذلك للتشمير عن الساعدين  للعمل)

سَبْعَ أَسْبَّابْ لْحَنِّ إِنَّاسْ سْنَاثْ دْمْنَصْفَ ثَسْبْنِيثْ نْسْتَ إنَّاشْ رِّحِيثْ إِيَاسْ رْبْعَ  ثَفَرَجِيثْ إِنَّاسْ خَاسْ ثْمَنْيَ نِّخَاشْ ثِوِطِ أَزّين مِثَيْنْ”

إلى سبعة، والبائع أوصل ثمن الحنة (مادة) إلى إثنان ونصف، في حين يطلب في غطاء الرأس (ثَسْبْنِيثْ) ستة، وفي الحذاء أربعة، وفي القميص ثمانية، ما عساي أن أقول فقد وصلت أيها الجمال إلى مائتين)

أما في عهد الاستقلال، الذي، كما هو معلوم، قد بدأ في سنة 1956، فقد انتقل هذا المبلغ إلى حوالي ثلاثين درهما، ثم إلى ستين، قبل أن يصل أواخر الستينيات إلى مائة درهم ليستقر في هذه الحدود إلى فاتح  مايو 2010 حيث تم الاتفاق في مجمع ” لامة” بجوار ضريح سيدي لحســن على رفع سقفه  إلى ألف درهم.

ولأول وهلة، قد يتبادر إلى الذهن أن هذا المبلغ الأخير يبدو مرتفعا مقارنة مع ما كان عليه الأمر من قبل. إلا أنه إذا قارناه بالمهور الجاري بها العمل لدى الغير، وخاصة في الجوار المخشوني، فإنه لا يعد كذلك. وحتى إذا ما قارناه بالمهر المطبق في سنة الأساس المعتمدة في مقاربتنا هذه، والتي هي سنة 1932، فهو لا زال منخفضا عنه.  فقد كان في مقدور ثمانين ريالا في سنة 1932 أن تشتري أشياء لا يمكن شراؤها اليوم بألف درهم. وللاستدلال على ذلك، نقترح على القارئ الكريم هذه الوثيقة التي تعود إلى سنة 1935، وهي سنة غير بعيدة من سنة 1932، والتي توثق لشراء قطعة أرضية مسقية  بدوار أيت مخشون وبالضبط بمزارع “لْقْسْمَاتْ” بــ 125 فرنكا أي 25 ريالا أو”دورو”،  عند البعض. وتصل مساحة تلك القطعة إلى حوالي أربع (4) آرات، أي حوالي أربعمائة (400) متر مربع. وهذه هي الوثيقة:

لشراء قطعة أرضية مسقية بدوار أيت مخشون وبالضبط بمزارع

لشراء قطعة أرضية مسقية بدوار أيت مخشون وبالضبط بمزارع

فهل يمكن اليوم شراء مثل تلك القطعة بألف درهم المطبقة كمهر مرجعي متوافق عليه؟ وبالرجوع إلى مسألة تحديد المهر، فإن المبلغ المحدد السالف الذكر، أي المتفق عليه بين أفراد الجماعة يعد، بطبيعة الحال، الحد الأقصى الذي لا ينبغي للممتثل لقرارات الجماعة أن يتعداه. أما تطبيق ما دون ذلك، فمرحب به ويبقى خاضعا لتراضي الأطراف المعنية.

وضعية الخطيبين في فترة ما بعد الخطوبة وإلى وقت الزفاف:

بعد أن تعرضنا لمسألة المهور، ننتقل فيما يلي إلى وضعية الخطيبين أثناء الفترة الفاصلة بين حفل الخطوبة وحفل الزفاف. فمنذ حفل “أَمُشِ”، وعلى عكس ما نراه اليوم ، يعيش الخاطب والمخطوبة وضعية خاصة. فلا هما بالمتزوجين ولاهما بغير المرتبطين. وتبعا لذلك، فلا يسمح لهما بمجرد اللقاء، فكيف بالاختلاء؟ بل، عادة ما لا تجرأ المخطوبة أن تلتقي خاطبها وزوجها في المستقبل وجها لوجه ولو كعابري سبيل. فإذا ما رمقته يسير في الاتجاه المعاكس في الطريق الذي تسلكه، تقوم في الحال بتغير مسارها لتتجنب ملاقاته ولو أدى ذلك إلى الخروج عن المسلك المعهود والسير بجانبه أو الاختباء في أي مكان أو وراء أشجار وأعشاب إلى أن يمر الخاطب ثم تستأنف طريقها من جديد. كما أن “حريتها”، المحدودة أصلا كعازبة، تزيد تقلصا لتقترب من حرية المتزوجة التي تم الدخول بها.

أما الخاطب، فهو الآخر تتأثر حياته بوضعيته الجديدة. فالعادة والعرف يستوجبان عليه أن لا يتعمد لقاء خطيبته، فضلا عن أن يعاكسها، عكس ما يجري به العمل اليوم، على الأقل، لدى البعض.

وما يقال عن علاقته بخطيبته، يقال كذلك عن علاقته بوالديها. فهو يتفادى ملاقاتهما إلا عند الضرورة. ولذلك، فهو يتفادى، على سبيل المثال،  مجالسة الصهر في الأعراس والاجتماعات والمجالس التي قد تنفلت فيها بعض الكلمات الغير المستساغة. كما أنهما لا يتعمدان،  بدورهما، إحراج زوج المستقبل لابنتيهما.

إضافة، إلى ما سبق، فالخاطب، وعلى الأصح، عائلة الخاطب مطالبة بشيء من النفقة على مخطوبة ابنها حسب المتعارف عليه، ولاسيما من حيث الملبس، وأضحية العيد إذا ما حلت ذكراه والخطوبة لا زالت قائمة. وإذا ما امتدت فترة الخطوبة كذلك إلى حلول ما يعرف بـــ “حَاچُّوزْ”، أي رأس السنة الفلاحية،  التي يحتفل به في ليلة 31 من دجنبروفاتح يناير من كل سنة فلاحية، أو ما أصبح يعرف اليوم بالتقويم الأمازيغي، فإن عائلة الخاطب مطالبة باستضافة المخطوبة فيما يعرف بــ” أَسْحُوچَزْ”.

ومنذ الخطوبة، تشرع عائلة المخطوبة في التحضير للعرس وذلك بتجميع ما يعرف بـ “إِسِفَاضْ نْسْلِيتْ”، أي جهاز أو شوار العروس. فتعد ما يمكن إعداده، وتشتري ما لا يمكن توفيره محليا.

وبطبيعة الحال ما يقال عن أهل العروس فيما يخص التحضير للعرس، يقال كذلك عن أهل العريس. وهذا الطرف الأخير هو الذي يتوقف عليه، في الغالب، تحديد زمان العرس بعد استشارة أهل العروس، بطبيعة الحال، والتأكد من جاهزيتهم للحدث. وحينما يتم الاتفاق بين الطرفين على تاريخ حفل الزفاف ينطلق بالفعل العد العكسي للتحضير الجدي. وهذا ما سنحاول، إن شاء الله، التطرق إليه مستقبلا.

لحسن بن محمد انــــرز

 

العادات و التقاليد

تعد العادات والتقاليد من أهم تجليات الغنى التقافي المخشوني، وهي نفسها الموجودة لدى باقي بطون وأفخاذ القبائل المجاورة في جماعة المرس El MERS وخاصة، ما ينتمي منها لقبيلة أيت سغروشن سيدي علي، مع فوارق خفيفة. ونظرا لكثرتها وتشعبها، ننتقي منها على الخصوص، عادات "أَمُشِي/ الخطبة"، و"ثَمْغْرَ"/ الزفاف"، و"سٍّبْعْ"/العقيقة"، و"لْعْدْلاَنْ/ الختان"... وسوف نفتتح هذه السلسلة بحول الله بالحديث عن الخطوبة . لحسن بن محمد انـــرز

ابحث في الموقع

النشرة البريدية