تامسومانت انرز

مْلِيدْ إِثِنْزَارْ خْوَانْثْ ثْمِزَارْ

الأضرحة  بالجماعة القروية المرس-

الأضرحة بالجماعة القروية المرس

الإثنين, يونيو 24, 2019

الأضرحة بالجماعة القروية المرس

المقدمة:

كما هو الحال بالنسبة لعدة مناطق مغربية، تتواجد بالدائرة الترابية للجماعة القروية المرس بإقليم بولمان عدة مزارات معلمة بمعالم بأشكال وأحجام مختلفة. وقد رفع بعضها على قبور من ظُنُّوا أنهم يستحقون أن يكونوا من جملة ما يطلق عليه في الموروث الثقافي المغربي “الأولياء والصالحين”.

وتعرف هذه المنشئات محليا باسم “رْوَاضِي” ( مفردها رُّوطْ)، أي (الروضات/ الروضة). كما يطلق عليها أيضا “إِمْرَابْضَنْ/أَمْرَابْضْ”. ومن مرادفاتها في أماكن أخرى “الأضرحة/ضريح”  و ” المقامات/مقام”، و “المزارات/ مزار”. كما تسمى بعضها ” تِخَلْوِينْ ومفردها تَخْلْوِيتْ” . وأصلها من ” خلوة/خلوات” العربية. وهي في الغالب عبارة عن كومات ومركومات حجرية مختلفة الأشكال والأحجام.

والجدير بالإشارة إلى أن كلمة “أَمْرَابْضْ”، التي تجمع على إِمْرَابْضَنْ” تعني في العرف المرعي في المنطقة “الشريف/ الشرفاء”.

وقبل الاستطراد في تتبع أماكن تواجد هذه الأضرحة ومحاولة إعطاء نبذ تعريفية عنها، يجدر فتح قوس للحديث عن دواعي البحث في هذا الموضوع، مستعينين في كل ذلك بالله العليم الخبير.

أولا-  دواعي البحث حول الأضرحة المذكورة:

 كثيرة هي الأسباب التي دفعت إلى البحث في مجال الأضرحة المتواجدة على المجال الترابي للجماعة القروية المرس، وإن كان الخيط الرابط فيما بينها هو إرواء العطش المعرفي وإرضاء فضول البحث والتنقيب التراثي.

وقبل مواصلة الحديث عن تلك الأسباب، قد يكون من المفيذ فتح قوس لطرح السؤال الافتراضي التالي:

ما جدوى الاهتمام ببنايات قضى أصحابها منذ عقود، إن لم نقل قرون، سيما والبناء على القبور أكثر من شبر وزيارتها مثار خلاف فقهي قديم ومتجدد ؟

سؤال مهم، والجواب عليه يكون كالآتي:

لكن الخلاف المذكورلم يمنع هذه الأضرحة من التواجد في عدة بلدان إسلامية من بينها المغرب بطبيعة الحال، وعلى الأخص المنطقة التي  نحن بصدد الحديث عنها. فهذه الأضرحة أصبحت واقعا فرض نفسه بشكل أو بآخر. وأصبحت العين لا تخطِئها، وبالتالي تثير الانتباه والفضول. وقد تستأثر بالاهتمام في محاولة استجلاء الظروف والملابسات المحيطة بتواجدها وعلاقاتها بالسكان بالمستوطنين الحاليين بالمنطقة. وهي بذلك موروث ثقافي بما لها وما عليها، مما يستحق التوثيق ولو للذكرى والاعتبار. وعليه، يكون هذا الموضوع من صميم اهتمامات ومرامي موقع تامسومانت الإلكتروني (www.tamsomant.com)، الذي وجد لهذا الغرض، أي توثيق الموروث الثقافي المحلي كلما كان ذلك ممكنا، ذلك الموقع الذي تتشرف أسرة انرز بإدارته وإعداد محتواه.

أما بخصوص الجدال الفقهي المذكور، فأراء الفقهاء معروفة حوله، ويمكن الرجوع إليها بالبحث عنها على الشبكة الدولية للمعلومات ولا مجال للخوض فيها بالتفصيل لأن ذلك له أهله وأخصاؤه. وما يمكن قوله في هذا المجال، هو أن النقاش كان في المقام الأول حول البناء واتخاذ القباب على القبور، وكذا التبرك بها والاعتقاد بنفعها وضرها واللجوء إليها لقضاء الحوائج. وبهذا الخصوص، فالأحوط أن يتجنب الانسان ذلك وأن يلتزم بآذاب الزيارة حينما يزورها.

وفيما يرتبط بهذه الأخيرة، أي الزيارة، فلا خلاف في مشروعيتها إذا كانت للترحم على الموتى والدعاء لهم. . فقد سمح بذلك  الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك وحث عليه فقال صلى الله عليه وسلم:” كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة ( . وفي رواية: ” كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلوب وتدمع العين وتذكر الآخرة ( . كما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:”زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة “. كما عنه  صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: “السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية”.وصح عنه أيضا ﷺ أنه كان إذا زار القبور يقول: “السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد”.

وقد تكون هذه الزيارة واجبة إذا كانت هناك قرابة بين الزائر والمزور. ففي صحيح مسلم  عن أبي هريرة أنه قال :  زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال “استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي. فزوروا القبور فإنها تذكر الموت”. والله أعلم.

وانطلاقا مما سلف، فلا يجب أن ينظر إلى الأمر وكأنه دعاية وتشجيع، أوانتقاد وتقريع، وإنما فقط كمحاولة لتقريب المهتم، وأعني به في المقام الأول الباحث والدارس، ما أمكن من هذه المآثر وتقديم المتيسر عنها من معلومات. وشفيعنا في ذلك ما يربط بعضنا بتلك الأماكن من وشائج القربى باعتبارها مراقد الأجداد والأقرباء، مع ما يقتضي كل ذلك من التوقير والاحترام والتذكير بهم للترحم عليهم والدعاء لهم بما هو مشروع ومسنون. إضافة إلى ما في التمعن في مصيرهم، الذي لا محالة مصيرنا نحن أيضا، من عبر ودروس باعتبارها دليلا وشاهدا على تعاقب الأجيال وتدافع المجتمعات. ورحم الله “أبي العلاء المعري” إذ يقول في قصيدته الرائعة “تعب كلها الحياة”:

“…

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب،  فأين القبور من عهد عاد

خفف الوطء ما اظن أديم  الأرض إلا من هذه الأجساد

وقبيح بنا، وإن قدم العهد هوان الآباء والأجداد

سر إن اسطعت في الهواء رويدا، لا آختيالا على رفات العباد

رب لحد قد صار لحدا مرارا، ضاحك من تزاحم الأضداد

ودفين على بقايا دفين في طويل الأزمان والآباد

وكخلاصة لما سبق، فزيارة القبور ومنها بطبيعة الحال الأضرحة وما في حكمها ، سنة بمنطوق الحديث السابق الذكر. والحكمة من مشروعيتها تذكر الموت الذي هو مصير كل نفس مصداقا لقول الله عز وجل: “كل نفس ذائقة الموت”، وبالتالي الاستعداد لها والزهد في الدنيا وملذاتها. ولكن لا بد لذلك من آداب حتى لا تتسرب إليها ما يعبر عنه البعض بــ”الشركيات”. ومن تلك الآداب:

‏أ- تحية أهلها المؤمنين بالتحية التي علما رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لأصحابه :”السلام عليكم أهل الديار ‏من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية”، ثم الدعاء لهم بكل ما هو مشروع من الأدعية؛

‏2- عدم الجلوس عليها، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم “لأن يجلس أحدكم على جمرة فتمزق ثيابه حتى تخلص إلى جلده، ‏خير له من أن يجلس على قبر” رواه مسلم؛

‏3- تجنب، كلما أمكن، اللباس الفاخر والمشي إليها وبينها بخيلاء. فالمطلوب التواضع ولباس أهل الخشوع.‏ لا يجب تقييد زيارتها بأوقات مخصوصة على الاستحباب. فليس لزيارتها وقت محدد؛

4- تجنب التصرفات التي لا أثر لها من الكتاب والسنة، والتي يعتبرها بعض الفقهاء نوعا من الشرك والعياذ بالله. فلا يجوز، حسب هؤلاء، طلب المدد، ولا العون، ولا أي شيء من حوائج الدنيا والآخرة من صاحب الضريح مهما قيل عن مكانته في الدنيا. فكل ذلك يتوجه فيه على الله مباشرة مصداقا لقوله جل من قائل :” أدعوني أستجب لكم” و : “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليومنوا بي لعلهم يرشدون”.

ومن التصرفات الممقوتة كذلك، ما يعبر عنه بــ”التبرك” بما يحيط بالقبر المزور كالتراب ولحاء بعض الأشجار وغير ذلك. وعلى ذكر التبرك بلحاء الأشجار، فبدون شك أن هناك من يتذكر شجرة البلوط الضخمة التي كانت فيما مضى بجوار سيدي علي بن يحيى، والتي أصبحت في خبر كان. فقد ذكر لي المرحوم مولاي سعيد بن محمد بوضربات حوالي سنة 1980 أن السبب في اندثارها ربما يعود إلى فعل الزوار الذين تهافتوا على جذعها فأزاحوا لحاءه كليا بعدما أو عز إليهم أحدهم أن بركتها خلصته من مرض كان يعاني منه.

فانظروا إلى أثر ذلك الفعل على تلك الشجرة التي عمرت ربما لقرون قبل أن تيبس وتنهار وتتلاشى.

وفيما يتعلق بموقع تامسومانت، فعلى ما يظهر، فقد أصبح يساهم في تنويرالباحثين في مجال التراث التقافي والبيئي المحلي. وقد يكون من بين الأشياء التي استأثرت باهتمام فريق البرنامج الوثائقي الرائع “أمودو Amouddou ” أثناء زيارة المنطقة (سكورة والمرس) وإعداد ثلاث حلقات عنها في أواخر شهر مارس وبداية شهر أبريل 2018. وهذا ما يمكن استنتاجه من مقاطع  من التعليق الخاص بالحلقة الأولى من المنتوج المذكور التي عرضت ليلة الأحد 31 مارس2019 تحت عنوان “موطن المغمورين”. ومما ورد في ذلك التعليق بهذا الخصوص، ” …وأمام ندرة بل انعدام المصادر والأبحاث التاريخية، وجدنا أنفسنا مضطرين للبحث عن أشخاص فخورين بمنطقتهم هذه مهتمين بها ساهموا بمجهوداتهم الفردية ووسائلهم المحدودة من أجل التعريف بها وإخراجها إلى النور. كان ذلك بقرية أيت مخشون الواقعة على بعد عدة كيلومترات من سكورة حيث ضربنا موعدا مع السيد … أحد أولئك السفراء المغمورين…”. “… فمنذ تقاعده كرس كل جهده للأبحاث التاريخية المعمقة الخاصة بالأولياء الصالحين الذين طبعوا ماضي المنطقة”.

ويظهر أن ما دون في ذلك الموقع حول جد أيت مخشون، تحت عنوان ” روضة –ضريح سيدي لحسن”

https://www.tamsomant.com/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A2%D9%8A%D8%AA-%D9%85%D8%AE%D8%B4%D9%88%D9%86/%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%AD-%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86/ هو الذي أوعز بما جاء في ذلك التعليق بخصوص عبد ربه.

وسوف نغلق القوس المفتوح لنعود إلى ذكر الأسباب التي كانت وراء هذا البحث ومنها على الخصوص:

  • 1- إثارة الانتباه إلى هذه المعالم باعتبارها موروثا ثقافيا:

أثارت الملاحظة المثارة في تعليق “أمودو” السالف الذكر بخصوص البحث حول الأولياء والصالحين، فقررت أن أقوم بهذه للمحاولة مساهمة في نفض الغبار عن ماضي باقي الأولياء المتواجدين بالمنطقة بعدما حاولت ذلك على الجد سيدي لحسن بن مخشون؛

2–  الاستجابة لطلب الحصول على معلومات:

تلقيت يوم السبت 15 يونيو 2019 مكالمة هاتفية من طالب مخشوني يبحث عن معلومات ذات الصلة بالموضوع بغرض إعداد بحث أكاديمي في موضوع ذي صلة بالمرس، ومن جملة تلك المعلومات ما سبق أن دونته على صفحتي ” الفيسبوكية” بخصوص الاتفاقية العرفية المبرمة بين جد أيت مخشون وصديقه، وربما قريبه، وحليفه ومعاصره سيدي علي بن يحيى رحمهما الله؛

3- تبيان بطلان ادعاء أمازيغية جميع أيت سغروشن:

هناك تيارعرقي يحاول إنكارعروبة السغروشنيين المنتمين للسلالة الإدريسة وإلحاقهم وباقي مكونات القبيلة بالأمازيغيين. وبذلك تريد تلك الجهة إقحام كل مكونات هذه القبيلة فيما تحاول أن تظهره على أنه صراع وجودي. وبالتالي محاولة تحقيق بالقلم واللسان ما عجز عنه موسى بن أبي العافية.وبخصوص هذا الطاغية، فقد أورد المؤرخ أحمد بن خالد الناصري السلاوي تحت عنوان ” طرد موسى بن أبي العافية آل إدريس من أعمال المغرب وحصره إياهم بحجر النسر” ما يلي:

“لما استولى موسى بن أبي العافية على فاس والمغرب شمر لطرد الأدارسة عنه فأخرجهم من ديارهم وأجلاهم عن بلادهم …ولجئوا بأجمعهم إلى قلعة حجر النسر …فنزل عليهم موسى بن أبي العافية وشدد عليهم الحصار وأراد استاصالهم وقطع دابرهم  فعذله عن ذلك أكابر دولته وقالوا له: أتريد أن تقطع دابر أهل البيت من المغرب وتخليه منهم. هذا شيء لا نوافقك عليه ولا نتركك له فاستحيا عند ذلك ورحل عنهم إلى فاس وخلف على حصارهم قائده أبا الفتح التسولي في ألف فارس يمنعهم من التصرف. وكان ذلك سنة تسع عشرة وثلاثمائة”.

وكما هو معلوم فالسغروشنيون المنتمون للسلالة الإدريسية لا ناقة لهم ولا جمل في هذه المحاولات الرامية إلى تعزيز المواقع وترجيح كفة على أخرى. فهم، كغيرهم من الفروع الإدريسية والأشراف الآخرين، بمثابة صلة وصل بين العنصرين العربي والأمازيغي، وذلك باعتبار العلاقة التي تجمعهم بهم بناء على رابطة النسب والدم التي تربطهم بهم باعتبارهم منحدرين من أب عربي وأم أمازيغية. وبذلك فقد كانوا في الماضي، ولا زالوا في بعض المناطق، بمثابة “مخمدات الصدمات” التي قد تنشأ بين الأفراد والجماعات لسبب أو لآخر و”سفراء المساعي أو النوايا الحميدة”، كما يقال في عصرنا.

إضافة إلى ما سبق، فإن المنطق والحكمة لا تقتضي أن يواجه الظلم، إذا كان هناك ظلم أو حيف، بظلم مماثل أو أشد، وإلا سيكون ذلك من عمل الجاهلية كما قال زهير بن أبي سلمى:

وَمَنْ لَـمْ يَـذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ           يُـهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمِ  الـنَّاسَ  يُظْلَمِ

وهذا البيت كما هو معلوم، من جملة ما ورد في معلقة هذا الشاعرالجاهلي المميز. وقد استهلها بقوله:

أَمِنْ  أُمِّ  أَوْفَى  دِمْنَةٌ  لَـمْ   تَكَـلَّمِ           بِـحَوْمانَة   الـدَّرَّاجِ   فَالْـمُتَثَلَّـمِ

قبل أن يضمنها جملة من الحكم التي لم تأخذ القرون من وهجها، والتي ينطبق بعضها على ما نحن بصدد قوله:

وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِنْ دُونِ  عِرْضِهِ      يَفِرْهُ   وَمَنْ  لا  يَتَّقِ  الـشَّتْمَ   يُشْتَمِ

……

وَمَنْ  يَجْعَلِ المَعْرُوفَ  فِي  غَيْرِ  أَهْلِهِ           يَكُنْ  حَـمْدُهُ  ذَماً  عَـلَيْهِ  وَيَـنْدَمِ

…..

وَمَنْ يَـغْتَرِبْ يَحْسِبْ عَدُواً  صَدِيقَهُ           وَمَنْ  لا  يُكَرِّمْ  نَـفْسَهُ  لا  يُـكَرَّمِ

وَمَهْمَا  تَـكُنْ عِنْدَ أمرِيءٍ مَنْ خَلِيقَةٍ          وَإِنْ  خَالَهَا  تَخْفَى  عَلَى  النَّاسِ  تُعْلَمِ

وَكَائِن تَرَى مِنْ صَامِتٍ  لَكَ  مُعْجِبٍ          زِيَـادَتُـهُ أَو   نَقْصُهُ  فِي   الـتَّكَلُمِ

لِسَانُ  الفَتَى  نِصْفٌ  وَنِصْفٌ   فُؤَادُهُ           فَـلَمْ يَبْقَ إَلا صُورَةُ  الـلَّحْمِ  وَالدَّمِ

…..

فلا يجب على الإنسان أن يجيز لنفسه ما لا يجيزه لغيره، وإلا سقط في التناقض وأصبح بدون مبادئ. فمن يعيب التطرف في المواقف والتصرفات على الغير، لا يجوز له أخلاقيا أن يستعمل نفس الأدوات و”الأسلحة” للدفاع عن أطروحات ومواقف  تسيء للغير وتنال من حقوقهم. فذلك عين التطرف والمغالاة، سيما إذا كان ذلك مقرونا  بالازدراء والقدح في الأنساب ومحاولة الإقصاء وهضم الحقوق.

ولكن، إذا كان من يسلك هذا المسلك ويبتدع هذا التوجه قد يحاجج بكونه لا يمارس إلا حقه في الدفاع عما يتوهمه حقا مطلقا، فإنه مما يستغرب ولا يفهم  بتاتا أن يسايره في ذلك، ويركب معه هذه الموجة، عن قصد وغير قصد، وعن بينة أو جهل، البعض من الذرية الإدريسية، ومنهم على الخصوص بعض المتواجدين بالمنطقة التي تعنينا هنا.

ألم يعلم أولئك أنه ملعون من يريد التنكر لنسب آبائه وأجداده  والانتساب لغيرهم، وهم المستأمنون قبل غيرهم على الأصل والفصل لعقبهم ونسلهم، وأن عواقب ذلك  في الدنيا: المذلة والمهانة والعار؛ وفي الآخرة: الخسران المبين. ويمكن الاستدلال على ذلك بعدة أحاديث مما روي في هذا الشأن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرق وصيغ مختلفة. ومنها، ما رواه أبو ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث سمعه يقول: “ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار ” متفق عليه.  وفي رواية: “إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه”. وفي أخرى، “من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام”.

وبناء على ذلك، فالأمر ليس بالسهولة التي يمكن أن تتصور. كما أنه ليس مجرد تعزيز مواقف ومحاولة إصلاح ما قد ينظر إليه أنه إجحاف في حق فئة. فجبر الضرر، لا يجوز أن يكون بخلق ضرر ربما أكبر منه. فالأرض أرض الله قبل أن تكون لعباده الذين استخلفوا فيها. والمعيار في التفاضل عند الله ليس بالنسب ولا بالمال ولا بغيرهما، وإنما بـــ” التفوى”. ألم يقل الله عز وجل: ”  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” ( سورة الحجرات/ 13).

وهذا ما تدل عليه وتؤكده الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن. ومنها ما رواه الترمدي عن إبن عمر رضي الله عنهما حيث يقول: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا ، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ ، قَالَ اللَّهُ : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” (صححه الألباني في “صحيح الترمذي)”.

 فكيف يعقل القبول بنزع رداء العروبة عن كل مكونات قبيلة أيت سغروشن وإلحاقها دون استثناء بالجانب الأمازيغي، الذي نكن له كل التقدير والاحترام، والذي تتكلم القبيلة كلها لسانه وإن بلغة مميزة كما لاحظ ذلك إدمون ديستانEdmon Destaing  في كتابه :

“Etudes sur le dialecte berbère des Ait Sehgrouchen”/(Publication de la Faculté des Lettres D’Alger/Bultin de Correspondance Africaine/Tome LVI/Edition Ernest Leroux/1920)

وعلى ما يبدو، فإن النطق باللسان الأمازيغي هو الذي اعتمد عليه الباحثون الفرنسيون امثال ديستان المذكور لتصنيفهم صمن القبائل الأمازيغية. وقد نسوا أو تناسوا أن ذلك اللسان قد فرض عليهم فرضا جراء اضطهادهم من طرف موسى بن أبي العافية الزناتي وأتباعه. فلما شدد عليهم هذا الأخير الخناق، كما ذكرنا من قبل، لجأت عدة أسر وعائلات إدريسية إلى مختلف القبائل الأمازيغية ناجين بأنفسهم مما اضر عددا منهم إلى إخفاء نسبهم الإدريسي والتنكر له ظاهرا والاندماج في وسطهم الجديد وتعلم عاداتهم وتقاليد وألسنة القبائل المستقبلة لهم. ويبدو أنه قد وجد من يكن العداء للعرب بصفة عامة، والأشراف وخاصة الأدراسة، ضالتهم في تلك الدراسات والاستنتاجات الخاطئة لدعم ادعاءاتهم وبناء نظرياتهم.

وقد وقع هؤلاء في تناقض صارخ حينما جمعوا ما لا يجمع. فقد اعتبروا قبيلة أيت سغروشن “بربرية” زناتية ، وفي نفس الوقت اعترفوا  لها بالشرف الإدريسي. وهذا ما يتأكد  مما أورده “مارسيب ليسن MARCEL LESNE في الدراسة التيى أعدها عن قبيلة زمور تحت عنوان ” “زمو/محاولة حوال التاريخ القبلي ”

Tribale »   « Les Zemmour. Essai d’histoire المنشورة في “مجلة الغرب الإسلامي والمتوسطي/ العدد2 /1966

 «  Revue de l’Occident musulman et de la Méditerranée, n°2, 1966 » في الصفحة 128 وما بعدها/

« Les Aït-Serhrouchene, berbères zénètes, dont le berceau est le jbel Tichchoukt, dans la haute vallée du Guigou, se considèrent tous comme chorfa, issus de Moulay-Ali-Ben-Amer-Ben-Yahya-Ben-Idriss II. « Tous les Aït-Serhrouchene, dit-on, sont chérifs, c’est-à-dire descendants du Prophète…, rapporte E. Destaing ».

ثم استطرد فقال:

« Tous sont respectés et craints dans la région ; on les considère tous, riches, pauvres ou faibles d’esprit comme gens doués d’un pouvoir surnaturel… Les mœurs et les coutumes des Aït-Serhrouchene ne permettent guère en effet de les différencier nettement de leurs voisins berbères. Et cependant, par leur langue, ils nous paraissent se rattacher aux Zénètes du nord de la Berbérie. Si leur parler s’est bien défendu contre l’invasion d’éléments appartenant au dialecte des Brâbers, la raison en est peut-être dans le fait que les Aït-Seghrouchen depuis le chef de la zaouya jusqu’au plus humble mendiant jouissent pour la plupart de la qualité de chérif, que, par suite ils sont craints et respectés dans la région. Ils ont sans doute intérêt à conserver toute son originalité à leur langage qui atteste, à première audition, de leur qualité d’Aït-Seghrou- chene et de chérif ».

Il n’est donc pas étonnant de voir la fraction Aït-Mejdoub, détachée en pays Zemmour, revendiquer la qualité de chorfa et aussi

« page 129

la tribu Aït-Ouribele imprégnée de rapports avec les Aït-Serhrouchene. Le chérif Sidi-Belkassem-Ben-Gouttiya par exemple, d’origine Aït-Serhrouchene, enterré non loin de Khmissète en fraction Aït- Haddou des Aït-Ouribele, est le descendant de Sidi-Mohammed-Ame- ziane dont le tombeau se trouve chez les Aït-Serhrouchene d’Immou- zère-du-Kandar. Moulay-El-Mostafa et Sidi-Mohammed, les deux fils de Sidi-Belkassem perçoivent encore régulièrement la ziara en tribu Aït-Ouribele. Il demeure néanmoins impossible de déterminer la date d’incorporation des Aït-Mejdoub à la confédération des Zem- mour. Les Aït-Serhrouchene ont gardé le souvenir des événements qui obligèrent Moulay-Ali, le chérif idrisside, à se réfugier au Jbel Tich- choukt; leur dispersion remonterait selon la tradition au règne de l’Emir Moussa-Ben-Ali-El-Afia; ce dernier aurait décidé d’anéantir les descendants de Moulay-Idriss, ce qui expliquerait leur dispersion et l’absence de liaison entre les divers groupements. Les Aït- Serhrouchene du Kandar, selon la tradition auraient quitté le Tich- choukt il y a environ 250 ans et occupé le Kandar, après les Aït- Ouallal, les Aït-Ayyache et la fraction Khomra des Bni-Ahsene, Aucune indication, à partir de données aussi générales et d’événements remontant au xviii siècle, ne nous permet d’apporter quelque lumière sur l’arrivée des Aït-Mejdoub chez les Zemmour… .

La presque totalité des chorfa en pays Zemmour se disent Idrissides ; ils sont berbérophones et parfois fortement influencés par le dialecte ou le rayonnement Aït-Serh- rouchène. L’étude, voire l’approche, de tels groupements s’avère difficile, car ils préfèrent, le plus souvent, être acceptés tels qu’ils se

« page 130

prétendent et ne rien dévoiler du secret de leur origine, surtout à un étranger. Sont-ils des rameaux authentiques d’autres formations tribales ? A-t-il suffi de l’arrivée de quelques saints personnages plus ou moins authentiques, pour qu’un groupement tout entier s’érige, sous leur bannière, en descendants du Prophète ? Autant de questions auxquelles il demeure difficile de répondre. » https://www.persee.fr/doc/remmm_0035-1474_1966_num_2_1_932

والحقيقة،  أنه من المتواتر أن نسب جزء كبير من قبيلة أيت سغروشن يعود إلى إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن سيدنا على كرم الله وجهه أحد الخلفاء الراشدين وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سيد الخلق وأشرفهم على الإطلاق، وصهره زوج ابنته للا فاطمة الزهراء رضي الله عنها.

فهل يا ترى من المعقول أن يضرب عرض الحائط بكل ما كتبه النسابون والمؤرخون حول إدريسية شرفاء أيت سغروشن. فكما لا يخفى، فقد تم التعرض لهذا الشرف والإقرار به في  ” كتاب الأنوار في ذكر النبي المختار”، و”  كتاب أبي عبد الرحمان القيرواني”، و”تأليف السيوطي الملقب بالمكناسي”، و” تأليف العمراني”، و”أجوبة القادري” و” تأليف منسوب لأبي القاسم العقباني التلمساني”، و”تقييد منسوب إلى سيدي محمد الصغير”، نجل سيدي أبي الطيب دفين ميسور.

وقد كفانا المرحوم مولاي احمد بن الحسن السبعي عناء البحث عن هذه الكتب بجمع لبها في كتيبه القيم  ” الدرر السنية في أصل السلالة العمرانية الشغروشنية والسبعية”، والذي بين فيه النسب الشريف لملاي علي بن عمرو الشريف الإدريسي وإخوانه وأولاده.

وممن شهد بالشرف لمن ثبت نسبه السغروشن الإدريسي، وبالتالي بعروبتهم،  أبي جعفر الكتاني، ومولاي إدريس الفضيلي، “صاحب الدرر البهية والجواهر النبوية” https://archive.org/details/dorar-bahiya (الجزء الأول)   https://ia800106.us.archive.org/24/items/hamlaenglish_gmail_20180319_1620/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%87%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D8%A7%D9%87%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%8A%D8%A9%20%28%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%29.pdf (الجزء الثاني) ، وأحمد الشباني الإدريسي في كتابه “مصابيح البشرية في أبناء خير البرية” ( رابط لتحميل الكتاب من النيت http://www.mediafire.com/file/zck7ej1mq4ylc9u/%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%AD+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%A9+%D9%81%D9%8A+%D8%A3%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1+%D8%AE%D9%8A%D8%B1+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%A9.pdf )  والمريني العياشي في كتيبه “الفهرس في عمود نسب الأدارسة       (https://archive.org/details/anassab-adarissa/page/n7  ). كما وثق ذلك Edmong destaing  في كتابه السالف  الذكر.

فهل يعقل أن يتواطأ كل هؤلاء وغيرهم على تزوير الوقائع وقلب الحقائق؟ بالطبع لا، سيما و المضنون فيهم، أو على الأقل في بعضهم، أنهم أهل الورع والتقوى. أم أن تفقههم ومداركهم العلمية  ليست في مستوى علم من يريد أن يضرب بما وثقوه عرض الحائط ؟ أو، هل الأبعد من تاريخ وقوع وقائع وأحداث أدرى ممن كان حاضر وشاهد وقوعها؟ فلماذا قيل يا ترى ” ليس من رأى (شاهد) كمن سمع”؟ ورحم الله من قال:

قل للذي يدعي في العلم  فلسفة ( معرفة)          علمت شيئا وغابت عنك أشياء.

والغريب في الأمر أن هناك من حفدة هؤلاء الأشراف من ينساق وراء الإدعاء الكاذب الخاص ب”أمازيغية شرفاء أيت سغروشن” ويصدق ذلك ويتقبله !!! حقا إنه زمن عجيب وغريب. كيف لا والاحتفال بـــ”حَاچَّوزْ” أو “إِخْفْ اُسْچَّاسْ”، الذي يصادف رأس السنة الفلاحية، كما كان عليه الأمر منذ قرون، قد أصبح محل جدال. فالمطالبة بحقوق طائفة وتحقيق العدالة بين مختلف مكونات المجتمع لا يجب أن يكون على حساب حقوق طائفة أخرى، وإلا فسيبقى الكل يدور في حلقة مفرغة.

نعم لغة الأم لمكونات قبيلة أيت سغروشن هي الأمازيغية. وذلك ما يجب أن يُفتخر ويعتزبه ويتشبث به،كما يُعْتَزُّ، بطبيعة الحال، باللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية الأولى للبلاد ولغة أصول الشريعة الإسلامية الغراء. والانغلاق على النفس والتقوقع لا يفيد. فالانفتاح، بحسب الحاجة وقدر الإمكان، على لغات وثقافات الشعوب الأخرى شيء مطلوب ومرغوب. ولا يشكل أيت سغروشن في ذلك استثناء.

فقضية الفرز العرقي وفق المعيار اللغوي لا تعني كثيرا بالنسبة للمغاربة. فرحم الله من قال :” سبحان من شلَّحَ حاحة وعرب دكالة”. وعلى ما يبدو، فالمثال السابق ينطبق أيضا على الأدارسة السغروشنيين. وذلك ما يستنتج مما حفطته لنا الرواية الشفهية مما دار من حوار بين سيدي علي بن يحيى وعدد من الناس الذين رافقوه أو الذين التقى بهم  في طريقه  من فاس إلى مستقره بجبال تيشكت. فقد ذكرت الرواية الشفهية أنه ما نزل بالموقع المسمى بــ” سهيب العيا” قال عنه، “إنما هوسهب الخلا”.  ولما وصل إلى موضع “تلات نسال”، قال عنه “هرب لا تسال”. وحينما استقر فيما يعرف بـــ” تبوجبرت”،  قال عنها ” هنا نجبر ولادي”. وبعدما اضطره أعداؤه إلى الرحيل وعدم السماح له  بالنزول في “منخفظ سكورة”  وأرغم على تسلق مرتفعات “سلسلة جبال تيشكت”، التي تشكل عائقا حقيقيا وحاجزا بين الغرب والشرق، تضرع  إلى الله قائلا ” أللهم أنزل عليهم ( أي على أعدائه) أزقرو أيت داوود ما ينهز ما ينز”. ولما تحصن بــ”تيشكت” (بالمكان المعروف ب”سيدي حساين”) عبر عن رضاه بقوله” إنها كالبغلة الزرقاء (أي تيشكت)، رزقها قريب ( الماء والحطب وغير ذلك) وشرها بعيد. عليها (أو فيها) نغرس ولادي”.

والملاحظ عدم الإشارة إلى اسم أعداء سيدي علي المذكور كما يفعل البعض ممن يردد هذه الحكاية أوكما كتب أو يكتب عنها. وذلك مقصود ما دام أن ذلك قد أصبح اليوم من الماضي. فلا حاجة للرجوع إليه ونكإ الجرح كل مرة. وبالرجوع إلى الأقوال المنسوبة لسيدي علي، فهل يعقل أن يتفوه بها أمازيغي؟ ولماذا سيلجأ إلى العربية لو كان أمازيغيا تجري الأمازيغية على لسانه جريا؟ وكما لا يخفى أن أحد أحفاده، من الجيل الخامس على ما أظن، كان كلما انتابته حالة “جذب”، إلا ولسانه ينطلق بالعربية. إنه المشهورفي حياته باسم “مولاي محند أي امحمد، والذي كان في قيد حياته القيم على شؤون الزاوية السغروشنية المعروفة بـــاسم”زاوية ثمانية عشر ضامنا”، بعدما انتقل إلى ربه أبوه سيدي عبد القادر (المشهر باسم عقى).

وقد قيل عنه  ( أي عن مولاي امحمد)، الذي توفي في مستهل سنة 1925 عن عمر قارب المائة،  أنه كانت تعتريه حلات خاصة، وأطوارغير عادية مثل ما يعتري سائر المجاذيب. كما نقل عنه أن له عدة كرامات وأقوال مأثورة، ضاع جلها بموت من حفظها عنه. ومن بين تلك الأقوال ما رواه المرحوم مولاي علي بن أحمد التفاحي، المعروف في حياته بعلي أمغار، وهو من حفدة سيدي علي بن سيدي امحمد ين سيدي علي بن يحيى رحم الله الجميع، في تصريح وثقه مولاي لحسن بن مولاي ساشا ضمن شريط  من الأشرطة التي تتكون منها سلسلته المسماة “في إطار تاريخ وطقوس المنطقة في دقائق /شخصيات تاريخية”. فرحمة الله على الميتين من المستَجْوَبِين وتحية تقدير واحترام للمستَجْوِبْ.وهذا هو القول الذي رواه مولاي علي المذكورعن من سمهع منه عن مولاي امحمد السالف الذكر:

سِّوَانْتْ غْبَاتْ أُلْمِيسْ مُرَهَا مْكْشُوفْ

أُنْعَسَ انْغَلْقَتْ شْحَالْ بْقَ فِيهَا مَنْ مَتْلُوفْ

يَا السَّغْرُشْنِي يَالْمَسْكِينْ

يَالِّسيفْ لْمْهَنَّدْ مِنْ كُلِّ جِهَة

عْلِيكُمْ بَاتْفَاقْ مَجْمُوعْ

وَالنْصَرْ مِنْ اللهْ الْغَانِي.

وقد كان ذلك على ما قيل على إثر دخول الاستعمار الفرنسي لتلك المناطق، قبل أن يزحف منها لاحقا على كامل المناطق المجاورة وعلى الأخص على قاعدة ومركز رحى قبيلة أيت سغروشن المرس.

ومع الأسف الشديد، فإن مثل هذه الأقوال قد ضاع الكثيرمنها، وما تبقى في حالة احتضار. ومن حسن الحظ أن هناك بعض التسجيلات السمعية على أشرطة مغناطيسية أو أشرطة سمعية-بصرية قد استطاعت أن تنقد نتفا من ذلك التراث التليد. وكمثال على ذلك الشريط الذي اقتبسنا منه الأبيات السابقة المنسوبة لمولاي امحمد.

وما قيل عن لسان سيدي علي بن يحيى ينطبق كذلك على لسان صديقه وحليفه سيدي لحسن بن مخشون. ولا أدل على ذلك من النظم الزجلي المنسوب إليه والمعروف بـــ”دعاء سيدي لحسن” نظرا.وقد سمي بالدعاء لأن جل محتواه عبارة عن ابتهالات ودعوات أكثرها بالخير وبعضها بالشرعلى أعدائه. وتتناقل الألسن أنه دعا به بحضور سيدي علي بن يحيى. وأن هذا الأخير كان يؤمن على تلك الدعوات ، أي يقول “آمين”. وهذا هو الدعاء المقصود كما نقل عن مستنسخ  تم الحصول عليه من المرحوم مولاي إدريس بن الحسن بن مولاي امحمد قيم الزاوية السابق الذكر:

بـــــسم الله ولجنا                        وبـــــــالله خــــرجنا

عـــــــليه تــوكلنا                       في جمـــــــيع المـــرادي

يـــــــا رب ســـألتك                    بجـــــــاه نـــــبيك

محــــــــمد رســولك                  الــــــعربي محــــمدي

إسمــه مـع اسمك                      مـــقرون فـــي عــرشك

مــكـــتوب بــقلــمك                    للأبد الأبــــدي…

………………………..

مــن كـرش نكل ونجوع            هـو وعــمري مـقــــرون

واسمي لـحـسن بـن مـخشون      وأيامي بــــالـــعددي

ولــو نـــبـقى مـا نبــقى               لا بـدلي أن ألقى

ســـعـــادة أو شقاء                     تغــفر لــي  يــا سيــدي

يــا غــفــور يـا شكـور                إلـيك تــرجـع الأمــــور

يا معمر القـــبور                      إلــى يـــوم التنادي .

ولمن يرغب في الاطلاع على المزيد من هذا الدعاء فليراجع الرابط التالي:

https://www.tamsomant.com/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A2%D9%8A%D8%AA-%D9%85%D8%AE%D8%B4%D9%88%D9%86/%D8%B1%D9%88%D8%B6%D8%A9-%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%AD-%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A/.

وما قيل عن هؤلاء الثلاثة يصدق كذلك على كل من ينتسب إلى السلالة السغروشنية الإدريسية أو الفروع الأخرى أيا كانت اللغة التي تنطق بها.

وكخاتمة  للنقطة أو الجزء المخصص لدواعي البحث حول الأضرحة المذكورة، نقول أن سيدي علي بن يحيى من أحفاد مولاي علي بن عمرو المدفون في غزوان بضواحي مدينة تالسينت، المعروف ببوقبرين، والذي تذكر إحدى الروايتين أنه أحد اللذين تنسب إليهما قبيلة أي سغروشن ليلقب أبناؤها بــ”السغروشنيين”. أما الأخرى فتعيد ذلك إلى الجد السادس لمولاي علي بن عمر، أي إلى المسمى سيدي محمد المكنى كذلك “بوركوة”، والمدفون في “باب أغمات” بالقرب من مدينة مراكش كما هو مشهور بحسب الرواية الشفهية المعززة ببعض الكتابات.

وكما هو متداول بين أحفاد سيدي علي بن يحيى وفي بعض المؤلفات، فعمود نسبه هو كالتالي:

فهو سيدي علي بن سيدي يحيى بن سيدي عبد الله بن سيدي يوسف ين سيدي عثمان بن سيدي سليمان بن سيدي عبد الله بن سيدي علي بن عمرو الشريف (الملقب بالسغروشني بحسب إحدى الروايتين الخاصتين باللقب السغروشني)  بن سيدي أحمد بن سيدي بن سيدي امحمد بن سيدي أبي بكر بن سيدي أحمد بن سيدي علي بن سيدي امحمد  الملقب ببوركوة وبالسغروشني (بحسب إحدى الروايتين الخاصتين باللقب السغروشني) بن سيدي سعيد بن سيدي عبد الرحمن بن سيدي القاسم بن سيدي عيسى  بن سيدي علي بن سيدي عبد الله بن سيدي محمد بن سيدي يوسف بن سيدي داوود بن سيدي موسى بن سيدي عمران بن سيدي يزيد  بن سيدي صفوان بن سيدي زايد بن سيدي خالد بن سيدي زايد بن سيدي عبد الله بن مولاي إدريس الأصغر بن مولانا إدريس الأكير بن مولانا عبد الله الكامل بن مولانا الحسن المثنى بن مولانا الحسن السبط بم سيدنا علي كرم الله وجهه وللا فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله خير خلق الله أجمعين صلى الله عليه وسلم .( السلالة العمرانية السغروشنية الإدريسية /أحفاد سيدي علي بن يحيى/ السيد محمد المشهور/ الطبعة الأولى الدفة الثانية للكتاب المعرفة بالمؤلف).

ثانيا – أماكن تواجد الأضرحة بجماعة المرس:

كثيرة هي المقابر المتواجدة بالجماعة القروية المرس، بعضها مشهور ومعروف والبعض الآخر مغمور ومجهول، على الأقل، عند أكثر الناس. وسوف نحاول فيما يلي التعرض لأهم تلك المقابر وما قد يوجد بها من مزارات، مبتدئين في ذلك بالمعروف منها قبل الوصول إلى المغمور.

1- المقابر المعروفة الأصل:

أغلب المقابر المعروفة هي الملحقة بالمداشرالتي تتواجد فيها أو التابعة لها أو المحسوبة عليها. فهي إذن مدافن لتلك المداشر، وبالتالي  فلا زالت تستقبل موتاهم وتقام بعض المواسم على أضرحتهم. وعليه،  فإن خريطة تواجدها تكاد تكون متطابقة مع خريطة تواجد تلك المداشر. وأهم تلك المقابر وأشهرها مقبرة “رْوَاضِي”، التي كانت المدفن الرئيسي للمنتسلين من سيدي علي بن يحيى الذي يوجد ضريحه في تلك المقبرة ومعه أضرحة عدد من أبنائه مثل: سيدي امحمد ، وسيدي أحمد، وسيدي سعيد؛ وأحفاده: مثل سيدي أحمد؛ وأبناء أحفاده: مثل  سيدي سعيد بن أحمد في قمة الربوة المطلة على هذه المقبرة من الشرق.

وقد كانت إلى عهد قريب، هي المدفن الرئيسي لجل إن لم نقل كل  المنحدرين من سيدي الجد المذكور.. فكانت نعوش البعيدين تحمل إليها على الدواب. وبذلك، فهي تأوي رفات عدد من السغروشنيين والسغروشنيات منذ عقود إن لم نقل قرون. وبذلك فهي تعد أضخم مقبرة في المنطقة. وهي تتواجد شرق مكتب وإقامة قائد المرس التاريخي المرحوم سعيد أمحند المعروفين بـــ” ثَدَّارْثْ نَايْثْ لْقَيْدْ/ دار أيت لقايد”، وشمال عين سيدي علي بن يحي، وجنوب الحقل المعروف بــ”تِمْدْغَرْتْ”، والذي كان إلى بداية التسعينيات من القرن الميلادي العشرين، يتحول في شهر شتنبر من كل سنة إلى ساحة ومسرح لاستقبال فعاليات الموسم المشهور بـ”موسم سيدي علي بن يحيى”، والذي توقف منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.

وإلى جانب اعتبارها مرقدا للسغروشنيين المنحدرين من جدهم سيدي علي بن يحيى ومن يسير في “فلكهم”، فقد سبق لهذه المقبرة أن استقبلت رفاة المسلمين الذين تعاقبوا على المنطقة قبل أن يحل بها سيدي علي المذكور وقبل أن تؤول من بعده إلى عقبه. ويشهد على ذلك تواجد عدد من الأضرحة والمزارات المحسوبة على أولئك الأولين والتي لا يعرف عنها إلا النزراليسير.

ومن تلك المزارات، بحسب ما سمعته من المرحوم مولاي سعيد بن محمد بن أحمد بوضربات وسجلته في شريط مغناطيسي سنة 1980، ما يلي:

  • مرقد جد أيت بلقاسم الذين تنحدر منهم العائلة المعروفة  بــ”إحجرون”. هؤلاء لهم قصة عجيبة مع سيدي علي بن يحيى حسب ما تذكره الرواية الشفهية. وملخص ذلك، أنهم حلفاء سيدي علي المذكور فدعا لهم دعوة مباركة، كيف لا وقد تعاطفوا معه وأكرموه حينما أراد قومهم أيت بلقاسم إذلاله؛

وبخصوص أيت بلقاسم، فليس هناك معلومات عن نسبهم ولا عن اتجاههم بعد مغادرتهم المنطقة. وإذا تتبع أحد هذا الإسم فسيجده له أثر في قبائل أيت سادن وأيت سغروشن إيموزار كندر وفي فدرالية زمور. بخصوص هذه الأخيرة ، فقد ذكرهم “مارسيب ليسن MARCEL LESNE ” صاحب دراسة  “زمو/محاولة حوال التاريخ القبلي ”

Tribale »   « Les Zemmour. Essai d’histoire المنشورة في “مجلة الغرب الإسلامي والمتوسطي/ العدد2 /1966

 «  Revue de l’Occident musulman et de la Méditerranée, n°2, 1966 »

ضمن أيت زكري الذين يشكلون أحد  فروع فدرالية قبيلة زمور، وذلك كما يتضه  من الصفحة 112 من المجلة المذكورة :

« Page 112

…Pourtant, cette grande Confédération comprend de très nombreux groupements internes assez particularisés … Huit grandes tribus ou sous-confédérations : Bni-Hakem, Haouderrane, Aït-Ouribele, Aït-Jbel-Doum, Messarhra, Kabliyine, Aït-Zekri (Aït-Belkassem, Aït-Ouahi, Aït-Abbou) et Bni-Ameur (Aït-Ali-ou-Lahsene, Kotbiyine, Mzourfa, Khzazna, Hej- jama) ainsi que deux tribus de chorfa composent une mosaïque de populations conscientes à la fois de leur origine particulière et de leur appartenance à la Grande Confédération Zemmour… » .

https://www.persee.fr/doc/remmm_0035-1474_1966_num_2_1_932

  • مراقد سيدي المشهور وسيدي الصابر وسيدي عمران؛

  • مرقد سيدي يعقوب أو عقوب. وهو بحسب ما في علم مولاي سعيد المذكور من معارف سيدي علي بن يحيى وأصدقاؤه الحميمين. وقد روي عنه أنه قال” من لم يزر سيدي عقوب فكأنما لم يزرن. وبخصوص عقب هذا الأخير، فيقال ودائما اعتمادا على نفس المصدر، أنه بقبيلة زمور التي تشكل مدينة” لخميسات” قطب رحاها. وما يعزز هذا الاعتقاد، إشارة “مارسيب ليسن MARCEL LESNE ”  في نفس المرج السالف الذكرإلى وجود أيت سغروشن في فدرالية زمور، وبالضبط في قبيلة أيت وريبل  Aït-Ouribele وهم يسمون أيت مجدوب  Les Aït-Mejdoub:

« Page 128

Les Aït-Mejdoub, de l’importante tribu des Aït-Ouribele, appartiennent à la branche des Aït-Serhrouchene, et le souvenir de leur appartenance à ce groupement humain reste très vif chez les Aït- Serhrouchene d’Immouzère-du-Kandar … ».

إضافة إلى ما سبق، يوجد هناك مزاران آخران من نفس طينة المزارات المنسوبة لمن سبق مزترات أيت سغروشن في مقبرة الرواضي. ويتعلق الأمربـــ:

  • سيدي المخفي الموجود بالقرب من المكان المعروف بــ”أمان لخوخ”، على الطريق الرابطة بين المرس وسكورة. وقد تبين لاحقا، بحسب ما أفادني به أحد سكان دوار أيت بلقاسم أحمو، أن المزار كان للتمويه عن إخفاء كنز. وقد تبين ذلك بعدما نبشه الباحثون عن الكنوز؛

  • وسيدي حساين، المتواجد في المكان الذي نزل به سيدي علي بت يحيى حينما حل بالمنطقة، وذلك في إحدى المرتفعات التابعة لمسلسل تيشكت.

ب – مقبرة أيت مخشون:

وهي المحيطة بضريح جدهم سيدي لحسن بن مخشون. وبخصوص هذا الجد، فكما هو مشهور في المنطقة، فهو حليف لسيدي علي بن يحيى السابق الذكر ومعاصره له. ويجمع بينهما حلف عرفي غير مكتوب، أو، على الأقل لم يتم العثورعلى المستند الموثق له. وقد ن ة ةتج عن ذلك، ما  يعرف لحد الآن ” بأيت العهد”، أي المتعاهدون أو المتحالفون.

وفيما يتعلق بهذا “العهد” أو هذا الميثاق، فأعيد هنا ما سبق لي أن ساهمت به في محاولة للإجابة على سؤال مطروح على إحدى صفحات الفيسبوك، مع بعض التصرف، والذي جاء كما يلي:

“ما قصة الاتفاقية التاريخية بين سيدي علي بن يحيى وسيدي لحسن أمخشون ؟، وما حقيقة اللعنة التي تضرب كل من أخل بهاته الاتفاقية ؟
سؤال طرحه …، حفظه الله وكافة شبابنا وشاباتنا وكذلك الذين سبقوهم لهذه المرحلة المحبوبة، والتي يحن لها كل من مر بها وتجاوزها. ..

“ولنعد إلى السؤال المطروح، الذي يعتبر وجيها وصعبا في نفس الآن. وجيه لأنه يترجم انشغال عدد من الناس وخاصة الشباب المقبل على استكمال دينه والذي من حقه أن يتساءل عن سبب ” التضييق” الذي تردده الألسن بخصوص حرمان ذكور أيت مخشون من التزوج من حفدات الولي الصالح سيدي علي بن يحيى، وحرمان أحفاد وحفيدات هذا الأخير من إرثهم من أمهاتهم أو جداتهم المخشونيات. وصعب لأن بيننا وبين الفترة المحتملة التي نشأت فيها تلك ” المعاهدة” حوالي عشرة أجيال ولا توجد وثائق ومراجع مكتوبة يمكن الاعتماد عليها لفهم ملابسات ما وقع إذا وقع فعلا.

ما قاله … ليس، في نظري المتواضع، بعيدا كل البعد عن الحقيقة وحتما ليس هو الحقيقة المنشودة. فيجب أن نضع الأمر في سياقه التاريخي وألا ننظر إليه بعيون حاضرنا وأفكارنا الحالية. فالراجح أن الوليين سيدي لحسن وسيدي علي رحمهما الله قد تعاصرا لفترة ما خلال نهاية القرن الحادي عشر وبداية القرن الثاني عشر الهجريين. كما عاصرا في جزء من حياتهما السلطان مولاي إسماعيل وربما الفترة التي سبقته وأوصلته للحكم والتي اتسمت بعدم الاستقرار. ذلك الوضع الذي استمر لفترة محددة تحت حكم السلطان المذكور قبل أن يتمكن من فرض سيطرته على كافة المناطق بما فيها منطقتنا حيث ذكر الناصري في “الاستقصاء لمعرفة أخبار المغرب الأقصى” أنه (أي مولاي إسماعيل) قام بنفسه على رأس حركة لتأديب القبائل الموجودة في المنطقة ومنها أيت سغروشن بطبيعة الحال وإخضاعها لسلطته وأخذ المكوس والأعشار منها ومكت في “القصابي” سنة كاملة وبنى قلاعا أخرى في المنطقة منها قلعة في سكورة وغيرها. ولا ننسى كذلك أن المنطقة التي كان يتواجد فيها هذان الواليان يمر بها ما كان يعرف ب” طريق السلطان”، ذلك الشريان الاقتصادي والاجتماعي الذي كان ينعش فاس وتافيلات والمناطق المتواجدة بينهما عبر منطقة سكورة وبولمان والقصابي وتيزي نتلغمت وما إلى ذلك.

فالأسباب الاقتصادية والتوازنات والتوليفات الاجتماعية وتقوية أواصر الأخوة وتجنب أسباب الخلافات واردة وحقيقية ولكن التحالفات الدفاعية والتآزر والتعاضد لا يمكن إغفالها. وربما رأيا في التوارث وما قد ينتج عن ذلك من مشاكل أسبابا لهشاشة التحالفات. وهذا الأمر أي المعاهدة لا يجب أن نخرجه عن السياق التاريخي كذلك في عهود وعقود ما يعرف في تلك العصور وخاصة في البادية ولدى مختلف القبائل ب” ثاضة”. هذه الكلمة الساحرة التي كان توضع في مكان القداسة عند المتعاقدين تحت لوائها. ومن غريب ما قيل عن بعض الطقوس المصاحبة لها أو المنشئة لها والعادات المرعية لدى بعض القبائل أنها حينما تريد عقد حلف ” ثاضة” مع قبيلة أخرى يتم جمع المرضعات من كلا الجانبين فيحلبن أثذاءهن ويخلط المنتوج فيسقى به الطعام المعد للمناسبة ويتناوله الكل كرمز للأخوة التي سقيت من منبع ولبن واحد. وبذلك يعتبر كل من أكل من تلك الوليمة أخ وأخت لنظرائهم من الجهة المتعاقدة فلا يتزوج الذكور من الإناث وتحترم المواثيق والاتفاقيات من جيل إلى أجيال . والغريب من ذلك أنه ينشأ اعتقاد راسخ أن من خالف ذلك تتبعه “اللعنة” ويصيبه مكروه. وقد قيل الكثير في هذا الصدد.

وهذا التصرف ليس بغريب في المجتمعات السابقة. وقد يدخل كل ذالك في باب النذر. فمن نذر شيئا وسار عليه مدة من الزمن فإنه يصعب التراجع عنه والتخلص منه لأسباب أكثرها نفسية. وهنا لا نريد الخوض في النذر الحلال والنذر الحرام وما هو شرعي وغير شرعي. فهل كل التصرفات في العهود السابقة وحتى في عهدنا شرعية ومطابقة للشريعة؟ فهل مثل الوثائق التي كانت تحرر وتحبس الممتلكات على الذكور دون الإناث مثلا شرعية مائة بالمائة؟ بل كان هناك من يحرم بعض الفئات من الإرث وخاصة النساء بحسب ما يعرف بــ”أَزْرَفْ”، أو العرف الساري في منطقته.

وخلاصة القول، أن ما ذكرته أخي … وجدناه متوارثا أبا عن جد ولا نعرف حقيقته من الزيادات التي قد تلحقه. فمن المعلوم أن الآباء وخاصة الأبناء والأحفاد يزيدون وينقصون في الروايات ويتفاخرون بأجدادهم وينسبون إليهم الخوارق. وهذا لا يعني أننا لا نؤمن بالكرامات التي هي الأخرى من الأشياء الخارقة للعادة التي يمنحها الله لعباده المتقين إكراما لهم. وهي بطبيعة الحال غير المعجزات التي تكون مقرونة بالتحدي ولا تعطى إلا للأنبياء والمرسلين. ولكن الخوف كل الخوف من الزيادة في الأمر والكذب قصدا أو جهلا.

وفي الأخير وأمام غياب الوثائق والمستندات الدامغة التي تفصل في الأمر، نترك الأمر لتقدير كل واحد منا. وأظن أن كلمة ” العهد” و”أيت العهد” كان لها وقعا خاصا لدى العديد منا. وقد نجح ذلك في تفادي عدة مشاكل حياتية بين الجانبين ووثق عرى الأخوة والصداقة فيما بينهما.

وكما ذكرت سالفا، فقد سبق لبعض أحفاد سيدي علي أن حازوا أنصبتهم من إرث أمهاتهم وجداتهم. كما امتنع ولا زال الكثير غيرهم من اقتراب أي أرض يملكها أيت مخشون لا إرثا ولا شراء. وفي هذا الصدد، ومن جملة ما قيل عن ” لعنة ” تملك أرض أحفاد سيدي لحسن، أن أحد أحفاد سيدي علي (لا داعي لذكر اسمه رحم الله الجميع) قد أنكر ذلك واعتبره من الترهات فعمد إلى الهجوم على أرض أيت مخشون في المكان المعروف بالمدور ليحرثها وحاشيته عنوة .فما أن شرع في ذلك حتى غشيه الضباب فلم يعد يرى شيئا. ثم ما لبث أن أحس بأياد خفية تخنقه وتكاد تزهق روحه. فسرع إلى مغادرة المكان وكلما ابتعد ازداد الضباب انقشاعا. فلما وصل إلى مجمع الوديان بالقرب من المكانين المعروفين ب”أَغَنْجَ” و “تَاسْرَا” حيث شرع في غسل يديه ورجليه مما علق بهما من التراب، وأمر من معه بفعل مثل ما فعل. بل، حسب ما قيل، غسل حتى المحاريث وأرجل الدواب من أثر تراب بلاد سيدي لحسن. وقد أوردت هذه الواقعة كما سمعتها وتناقلتها الألسن حتى من حفدة سيدي علي أنفسهم وذلك على سبيل التذكير وبسط المعلومات المتعلقة بالموضوع، وليس على سبيل التخويف أو شيء آخر كما قد يظنه البعض. ومرجعيتنا هنا أقوال وروايات الأولين لا غير. وقد … وقد… والله أعلم.

إضافة إلى ما سبق، لابد من الإشارة إلى أنه في كل زمان ومكان هناك ” مغامرون” و”مشككون” كذلك في أمر الزواج، كما كان الأمربخصوص الأرض كما ذكرنا بخصوص الهجوم على المدور. وبالفعل كان هناك، وإن كان ذلك، ناذرا من جرب حظه إلا أنه لم يستطع على ما يبدو فق التخلص كلية من تلك ” اللعنة”. فإن استطاع العيش مع من ارتضاها وخالف العرف و ” العهد” من أجلها، فإنه لم ينعم بنعمة الأبوة ولم ينجب منها ذرية.

وربما أخر محاولة في هذا الصدد كانت لشاب مخشوني أراد أن يخطب شابة من حفيدات سيدي علي متجاهلا ما يقال بهذا الخصوص. وقد سايره في ذلك أبوه. وقد كان ذلك في ثمانينيات القرن الميلادي الماضي. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان. فقد رأت إحدى المخشونيات المتواجدات في بوزملان رؤيا غريبة . فلما قدمت في زيارة جدها بمناسبة الموسم السنوي حكت ما رأت لامرأة من أيت مخشون ” في الجبل” على حد قول إخواننا إغرابين. والرؤيا كالتالي:

فقد رأت في منامها خيمة قد نصبت في المكان المعروف ب” الظهرت” أي المزارع المقابلة لضريح سيدي لحسن من الشرق وقد اجتمعت في تلك الخيمة جماعة تضم عدة أشخاص حفظت أسماءهم كلهم. وكلما ذكرت إسما لمخاطبتها إلا وهذه الأخيرة تبادر بالرد ” رحمه الله” . والغريب أن تلك المرأة التي رأت الرؤيا لم يسبق لها لا أن التقت بأولئك الذين تتحدث عنهم، ولا أن عرفت شيئا عن المعاهدة التي نحن بصدد الحديث عنها. بل لم تر النور وتخرج هي إلى الحياة إلا بعد موتهم كلهم أو جلهم. وكان على رأس تلك الجماعة شخص قالت أنه يسمى لمقدم أمزان ( بالمناسبة هو جدي وأب لتلك المرأة التي تقص عليا رؤياها. وقد توفي رحمه الله حوالي سنة 1920 ميلادية) . وقد ذكرت أنه كان ينادي جد الشاب الذي يريد الزواج من حفيدة سيدي علي ، يــ” فلان” يـــ” فلانا” يـــ” فلان” ” إسثنبث أتسورف أزيلال هيمزوغنو زيش” (بمعنى أتريد أن تتخطى السياج حذاري ).
فلما ذكرت المخاطبة ذلك لأب الشاب تراجع عن المشروع ولم يتم المرغوب.
قد يقول قائل ذلك أضغاث أحلام. ممكن ولكن فما نقول في من رأت المنامة. فهي بعيدة كل البعد عن المنطقة ولم يسبق لها كما ذكرت أن سمعت ب” المعاهدة” المذكورة ولا عاصرت أحدا ممن رأتهم في منامها وحفظت أسماءهم ونقلت عنهم”.
وبالعودة إلى الواليين المتعاهدين، فبحسب المستفاد من بعض المستندات الخاصة بتوثيق التعهدات والمعاملات العقارية وغيرها، فإنهما كانا معاصرين و لو في جزء من حياتيهما للسلطان العلوي مولاي إسماعيل. وللمزيد من المعلومات حول سيدي لحسن بن مخشون، على الخصوص، يرجى الرجوع إلى المدون في مكان آخر من هذا الموقع وذلك على الرابط التالي:

https://www.tamsomant.com/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A2%D9%8A%D8%AA-%D9%85%D8%AE%D8%B4%D9%88%D9%86/%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%AD-%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86/.

ج – مقبرة أ يت يوسف:

وهي المحيطة بضريح سيدي مسعود بأيت يوسف تاغيت، هذا الولي الذي تقول الرواية الشفهية، ومنها ما أفادت به زوجة أحد أحفاده من الجيل الثامن، أنه جد الفرقة السغروشنية المعروفة بـ”أيت مسعود” المتواجدين بالقرب من بلدة بوزملان، قيادة أيت سغروشن بإقليم تازة. وبحسب نفس المصدر، فهو أب سيدي عبد الرحمن المدفون بقبيلة “أيت سادن” بالقرب من  ” سَّاوَنْثْ (أي العقبة) إشِضَارَنْ” بجوار المكان المعروف بــ”بُوسْعَادة”. وقد توفي منذ حوالي 8 أجيال أي حوالي قرنين ونصف من الزمان.

ونظرا لكثرة الأسماء المتشابهة وتعدد المسمين بها وانعدام الحجج والوثائق الدامغة، فمن الصعب إلحاق الفروع بالأصول فيما يخص عدد من “الأولياء” والفرق والتجمعات السكانية. ولكن المعول عليه، فيما يخص فرقة أيت مسعود، أنهم يعدون مكونا من مكونات أيت سغروشن المتواجدين بالقيادة السالفة الذكر، المعروفة باسمهم.

د- مقبرة سيدي “حْمَدْ أُعْقَى (عبد القادر) بدوار”إِسُوشَ”:

وهي المقبرة المحيطة بضريح سيدي أحمد بن عبد القادر. وسيدي عقى (عبد القادر) هذا هو أحد القيمين الذين تعاقبوا على العناية والتكفل بـــ” الزاوية السغروشنية” المشهورة  بــ” ثمانية عشر ضامنا”، والذين عادة ما يطلق  عليهم محليا إسم “بـــُوزَّاوِيثْ”. وهو ما يمكن ترجمته بــ” رب/صاحب/مالك/قيم… الزاوية”.

وحينما تذكر زاوية “ثمانية عشر ضامنا”، ينصرف التفكير إلى إحدى الكرامات التي تنسب  لسيدي علي بن يحيى، وهي كالتالي:

يحكى أن سيدي علي قد رأى رؤية حُثَّ فيها على إقامة “زاوية” والتكفل بخدمتها كما هو متعارف عليه فيما يخص الزوايا والعناية بها كما هو معروف في التاريخ المغربي. وقد أخبر أنه سيساعده على ذلك ويؤازره “ثمانية عشر (18) ضامنا” من “أهل الله من الأولياء والصالحين” بحيث يتكفل كل واحد منهم بجانب من متطلبات الحياة (الماء، الحطب، الزرع، الضرع،…)، بحيث لا تفتقر “الزاوية” إلى أي شيء مما تقوم عليه الحياة وتستقيم بها.

وقد يقال: إن الضامن هو الله لأنه هو الرزاق أي الضامن لأرزاق سائر المخلوقات. طبعا هذا الأمر لا جدال فيه ومن المسلمات التي لا يستقيم إيمان الفرد إلا بها. كما يؤكد ذلك الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه حينما قال:” والذي نفس محمد بيده لن تموت نفس قبل أن تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه في غير طاعة الله فما عند الله لا يؤخذ إلا بطاعته”. وقد أوردناه هنا فقط ضمن الموروث الشفهي الخاص بكرامات سيدي علي بن يحيى، التي يبقى الحكم عليها بحسب قناعات وثقافة ومعتقدات كل شخص.

ومما قيل فيما يخص الضامنين المذكورين، أن من بينهم من تكفل بضمان خلو موقد (تنور) الزاوية من الرماد. فمهما طال الزمان فإن مطبخها يبقى خاليا من الرماد، أي من مخلفات إحراق الحطب. وعلى ذلك، فكما ذكر العديد، فإن الزاوية لم تشتكي يوما من أي نقص أو خصاص فيما ضمنه الضامنون، وذلك على الرغم من كثرة مريديها وروادها وضيوفها. أما ملح الطعام فقد أغفل ولم يضمن وجوده أي ضامن. وتبعا لذلك، فإن الزاوية كانت تشتكي دائما من سرعة نفاذ هذه المادة التي لا تخفى أهميتها في تنسيم جل المأكولات، والتي يعد تقاسم المأكل المنسم بها رمزا لربط الصداقات والتحالفات وتعزيز أواصرها. وذلك ما يقصد بالعبارة المشهورة بالأمازيغية ” نَسُّورْ/نْشَّارْ أو أَنْسَّارْ/ثِسَنْثْ”، والتي يقابلها بالدارجة المغربية ” شركنا الملح/ نْشَرْكُ لملح”.

وبخصوص معنى الزاوية، فيمكن تعريفها على أنها مكان إشعاعي يلحق به مسجد إما مشيد بمواد صلبة أو عبارة عن خيمة متنقلة ملائمة لحال الترحال والانتجاع يحفظ فيه القرآن وتدرس فيه العلوم المرتبطة به بحسب الحاجة وبحسب الإمكانيات المتاحة. كما تشكل الزاوية مأوى للفقراء والمحتاجين، وملجأ لليتامى، ومحمية للمظلومين، ومقاما للاستراحة والتزود بالمؤونة لعابري السبيل، ومظلة للإصلاح بين الناس وحل الخلافات بين الأفراد والجماعات، ومحكمة للمتنازعين وما إلى ذلك من أعمال البروالإحسان وإصلاح ذات البين. وقد كانت بالفعل تلعب دور “مخامد الصدمات” بين عدة قبائل وفرق. هذا على الأقل، الدور الذي  وجدت من أجله وانطلقت به إبان بزوغها، والذي كان من المفروض أن تلعبه.

ويعد سيدي أحمد المدفون في المقبرة تلك، المعروفة باسمه، من أحفاد سيدي علي بن يحيى. ونسبه إلى ذلك الجد هو كما يلي:

سيدي أحمد بن سيدي عبد القادر بن مولاي سعيد بن سيدي أحمد بن سيدي أمحمد بن سيدي علي بن يحيى.

هـ – مقبرة “فُودْ وَّاضُو” :

توجد هذه المقبرة في دوار “تَاغْزُوتْ أيت مولاي سعيد”، وبالضبط في المكان الذي يعلو المجمع السكني “تَاضْهْرِيتْ”. وهي المدفن الحالي للدوار الذكور ولمن كتب له أن يوارى الترى فيها. وعلى ما يظهر فهي من المقابر المحدثة بعد التخلي عن فكرة نقل الأموات إلى جوار سيدي علي بن يحيى كما كان شائعا في الماضي. وقد يكون وراء التخلي عن فكرة “التجميع” تلك، تغير المفاهيم بحسب سنة التطور وازدياد الوعي المعرفي بأمورالدين والدنيا، وتراجع القدرة على التحمل والجلد ومواجهة الملمات، والصعوبات الناتجة عن عملية النقل والتنقل. ومن بين المشهورين المدفونين في تلك المقبرة المرحومين سيدي حسن بن امحمد بن عبد القادر وابنه مولاي عبد الله.

و – مقبرة أيت السبع بدوار بوخليفة المتواجدة بالمكان المعروف بــ” ثَعْرُورْثْ”:

وهي المحيطة  بضريح سيدي “مْحَنْدْ (امحمد) أُحْمَدْ. كما يوجد ضريح بنفس الإسم أو ما شابهه بالمكان المعروف بـــ”تَجْلْمَانْتْ”. ويقال أن أيت السبع يقيمون عليهما “لامتين” (شكل من أشكال المواسم”. وهذا يعني أنهما من نسبهم. وكما هو معلوم ومشهور، فإن أيت السبع، مثلهم في ذلك مثل باقي الفروع السغروشنية المنتسبة لآل البيت الكرام، من ذرية إدريس بن إدريس عن طريق سيدي امحمد، جد الفرق السبعية والمشهور بالسبع، المدفون في بلدة ” دويرة السبع” بالقرب من تالسينت. وهذا الأخير من عقب مولاي علي بن عمرو وهم بذلك أبناء عمومة باقي الفروع السغروشنية المنتسلة من مولاي علي بن اعمرو المذكور. وهذا ما أكذ عليه مولاي أحمد بن الحسن السبعي في تأليفه المسمى ” الذرر السنية في أصل السلالة العمرانية الشغروشنية والسبعية”، المطبوعة بالمطبعة العصرية بفاس، والذي يمكن تحميل نسخنه الإلكترونية من الرابط التالي:

https://archive.org/details/dorar-saniya

ز- مقبرة سيدي محند أزروال:

وهي المتواجدة بالدوار المعروف بهذا الاسم، والذي يقطنه أحفاد سيدي بلقاسم بن امحمد بن علي بن يحيى المشهورون بأيت بلقاسم أحمو. وهذا المكان يتواجد في حوالي منتصف الطريق بين المرس وسكورة. وقد سميت نلك المقبرة بهذا الإسم نسبة  إلى أحد المقبورين فيها، ألا وهو سيدي محند (امحمد) أزروال، الذي يقال أن له قرابة بسيدي بلقاسم أزروال المدفون شرق جبل بويبلان، بالمكان المعروف ب”تغز”، صفصفات، بالقرب من “بركين” بإقليم تازة، والذي توفي بحسب ما أورده بوجمعة حسني بن مصطفى البشير- أزروال في كتابه “شذرات من الشرف المنيف والجهاد والمقاومة للاستعمار” (https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=309302) ،  حوالي سنة 990 هجرية.

وبحسب ما جاء في الكتاب المذكور، فنسب سيدي بلقاسم أزؤوال هو كالآتي:

” سيدي أبي القاسم الزروالي بن أحمد بن عمرو بن أيوب بن الحسن بن علي  بن يدير بن يعقوب  بن صالح بن عبد الله  بن عبد الغني  ( الملقب بيوطف) بن امحمد (المغراوي) بن أحمد بن سلام بن الحسن بن عبد الجبار بن تميم بن هرميس ( المعروف بالعربي) بن احمد بن محمد بن عثمان بن يوسف بن يوشع  بن الوليد بن يدير بن محمد بن عيسى  بن محمد بن عبدالله  بن الأمير مولاي أحمد بن الخليفة بن مولانا إدريس…”.

وبخصوص مفردة “أزروال”، التي تعني بالأمازيغية ” الأزرق”، فهي تعني أن أصل المسمى بها من بلدة ” تازروالت”، المتواجدة في الجماعة القروية سيدي أحمد أموسى بإقليم تزنيت. ولا يعرف بالضبط وجه القرابة بين سيدي محند أزروال وإخوته الذين قيل عنهم أنهم مدفونون هم الآخرين بالمنطقة التي نحن بصدد الحديث عنها. ومن أولئك الإخوة، سيدي علي وسيدي أحمد اللذين من المرجح أن يكونا قد قبرا بجانب أخيهم سيدي محند المذكور, أما سيدي حساين، وبحسب رأي أحد سكان سيدي محند أزروال، فيوجد مكان يحمل اسمه بالمرتفعات المتواجدة جنوب سيدي محند أزروال في اتجاه منبسط “لَجْوَ”.

ح- مقبرة دوار تيلميرات:

توجد هذه المقبرة بالدوار المذكور، الذي يشكل الحد الشمالي للجماعة القروية المرس، بينما حدها الجنوبي يقف عند دوار تارصيفت. وبذلك فهما أبعد نقطتين في جذه الجماعة. وتختلف الروايات بخصوص أصل كلمة ” تيلميرات”، وإن كان محرر مدونة  http://chorafae-tilmirat.blogspot.com/2015/12/blog-post_37.html  يرى أن الرواية الأقرب للصواب هي التي تسمى ذلك المكان بـــ”تلميراض”، أي المكان الموبوء “نظرا لتواجد مستنقعات تتجمع فيها المياه الراكدة فتشكل مستعمرة للبعوض الذي ينتشر بالدوار، مما يسبب أمراضا للساكنة”. ومهما يكن فإن السكان الحاليين ينحدرون، كما هو معلوم، من أحد أحفاد سيدي علي بن يحيى، وهو سيدي علي بن أحمد بن سيدي أحمد بن علي.

“وقد استقر سيدي علي بن أحمد بمنطقة تسمى “حولا” حاليا، حيث اقتنى أرضا هناك، وفيها أنشأ أسرته الصغيرة التي توسعت بعد ذلك لتؤسس دوارا بأسره. وتحكي المصادر الشفوية دائما، أن تلميرات تعاقبت عليها مجموعة من الأجناس، منهم: القنادسة، وهم الذين أتوا من الجزائر، ويوجد عين تسمى بعين “أقندوس”. ثم بضيعة “الزقاق” التي اشتراها “آيت سعيد أوعلي” من “إيمعلاوين”، ثم قبيلة “بني علاهم” وغيرها من القبائل الأمازيغية” http://chorafae-.tilmirat.blogspot.com/2015/12/blog-post_37.html

وبحسب ما أفاد به مولاي إدريس أوزاوي، بارك الله في عمره، فقد أعقب سيدي علي بن أحمد بنتا واحدة وثمانية أولاد وهم:

سيدي عبد الكريم،  وسيدي سعيد ، وسيدي العباس، وسيدي محند (امحمد) ، وسيدي عبد الله، وسيدي أحمد، وسيدي لحسن، وسيدي يوسف.

وبحسب ما أفاد به أحد سكان سيدي محند أزروال كما ذكر ذلك سابقا، فإن ضريح سيدي علي بن أحمد يوحد في المكان المعروف بـــ”أَمَانْ لْخُوخْ”. ولا شك أن عددا من أبنائه قد دفنوا بدوار تيلميرات السالف الذكر، ومنهم على الخصوص سيدي عبد الكريم الذي شيد له ضريح هناك.

ط- مقبرة بوزضوض:

توجد هذه المقبرة في المكان الذي سميت به، أي “بُوْزْضُوضْ”. ومن المرجح أن يكون سبب هذه التسمية ذو علاقة بالطائر المشهور بهذا الاسم في المنطقة، ألا وهو طائر الورشان Pigeon ramier. وقد يكون ذلك بسبب تواجد ذلك الطائر بكثرة في ذلك المكان. وكما هو معلوم فهذا المكان متواجد بين دوار أيت يوسف أحدو وبلدة “تَاجْلْمَانْتْ”. وحسب ما في علمي فلا يوجد فيه أي ضريح.

ي- مقبرة سيدي أيوب:

توحد هذه المقبرة ببلدة ” تِنْمْلَلْتْ”. ولمن يريد بعض المعلومات على هذه البلدة فلليراجع ذلك في مكان آخر من هذا الموقع، وبالضبط في المقال المعنون بـــ” الأماكنية” والموجود على الرابط التالي:  https://www.tamsomant.com/toponymie-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%a7%d9%83%d9%86%d9%8a%d8%a9/.

ورغم أن هذه المقبرة لم تعد تستقبل الموتى، إلا أن شهرتا تجاوزت مكان تواجدها. ويرجع السبب في ذلك في نظرنا إلى وجود ضريح منسوب لشخص إسمه سيدي أيوب، هذا الشخص الذي أصبح في العقود الأخيرة مزارا سنويا لممثلي عدد من الفروع القبلية من أيت سغروشن ومرموشة، وذلك تخليدا لمعاهدة عرفية بين أيت يوسف أحدو من ايت سغروشن وفرع أيت أمار من قبائل مرموشة.  ولا يعرف أي شيء محدد عن سيدي أيوب هذا. ومن المعلوم أنه لا زال يتواجد في تمغيلت فرع قبيلة يحمل إسم أيث أيوب وبه دوار يعرف سكانه بــ”أَرَّ نْيُّوبْ” أي أبناء أيوب. فهل لهم صلة بسيدي أيوب هذا أم مجرد تشابه الأسماء كما هو الحال بالنسبة لغيرهم من الأماكن والقبائل والفروع والعائلات… كما يوجد إسم سيدي بن أيوب في منطقة “تيسة” شرق مدينة فاس. وبخصوص هذه الأخير نورد ما أفادني به أحد سكان بلدة “تينمللت” بخصوص العلاقة المحتملة بين هذا الأخير وسيدي أيوب المدفون ب”تينمللت”. فقد ذكر أن سيدي عقى أب سيدي أحمد ومولاي محند السالفي الذكر، والذي آلت إليه العناية بزاوية ثمانية عشر ضامنا بعد أبيه مولاي سعيد بن أحمد بن امحمد بن علي بن يحيى، كان من عادته ألا يزور ضريحا إلا إذا تمثل له صاحبه، بعد أن يسبغ الوضوء ويصلي ركعتين يطلب على إثرهما من الله أن يلاقيه بصاحب الضريح الذي يريد زيارته. وذات يوما انطلق من المكان المعروف بأأ”تَغْزُوتْ وَّادَّ” أي تغزوت التحتانية في اتجاه “تأغزوت وَّافْلَّ” أي تاغزوت الفوقانية، مرورا بتينمللت وبجوار ضريح سيدي أيوب، فلما مر بالوادي الموجود هناك توضا وصلى ركعتين وطلب من الله أن يلتقي في يومه بسيدي أيوب. فلما وصل إلى مستوى المكان المدفون فيه الشخص المعني، لم يلبث إلا لحظات حتى لا حظ أن فرسه قد استشعر وجود شيء ما، وإذا به بفارس على يتصبب جواده عرقا يسلم عليه ويقول له لقد وصلت للتو من تيسة”. والله أعلم.

فهل للأيوبَيْنِ المذكورين علاقة بــ”ليوبيون أو الأيوبيون” الذين قال عنهم ” الشباني” صاحب ” مصابيح البشرية في أبناء خير البرية ” أنهم ينتسبون لجدهم
“سيدي أيوب بن علي بن أيوب بن علي بن إبراهيم بن أيوب الحكيم بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن عيسى بن يحيى بن داود بن أحمد بن إدريس بن إدريس……….إلخ.”؟

ك – مقبرة أيت يوسف أعثمان:

توجد هذه المقبرة في الحقيقة ضمن الدائرة الترابية “للجماعة القروية سرغينة” وبالضبط على يمنة الطريق الرابطة بين “سرغينة وإيموزار مرموشة عبر “تِمْسْوَالْ”، مما قد يقال معه ولم ذكرها ضمن المقابر المتواجدة بالمجال المشمول بهذا البحث؟ الجواب أن لهذه المقبرة اعتبارا خاصا نظرا لاحتوائها على رفات من انتسل من يوسف بن عثمان بن سليمان بن عبد الله بن علي بن عمرو. ولذلك سميت على اسمهم، أي مقبرة “آل يوسف بن عثمان”. ولا يعرف بالضبط من هم هؤلاء المنسوبة إليهم؟ وهل يوسف بن عثمان هو الاخر مدفون هناك أم لا؟ وهل أب الفرقة المتواجدة بدوار”أيت عبد الله”، المعروفة بـــ”أيت بن يوسف” من جملة من يسمون “آل يوسف بن عثمان”؟ أسئلة قد نعود للجواب عليها إذا ما توفرت المعلومات الضرورية لذلك.

وإجمالا، فإن تعدد المدافن الحالية بالمنطقة المدروسة راجع لتعدد المداشر وتفرقها وابتعاد بعضها عن بعض، وكذلك للتطور الطارئ على السلوكات البشرية،  وتغير الظواهر الطبيعية، وازدياد وطئة ظاهرة الهجرة التي أثرت بشكل كبير على التركيبة السكانية ونوعيتها.  وبطبيعة الحال كلما قلت الأعداد، وخاصة النشيطة والقادرة على العطاء وعلى التحمل … قل التآزر والتعاون لإنجاز الأعمال وخاصة الشاقة منها. وكمثال على ذلك، اضطرار التجمع السكاني المعروف بــ”إِمْزِيلَنْ” المقابل لما يعرف بــ”تَغْزُوتْ وَّادَّ” إلى إحداث مقبرة خاصة بهم بعدما كانوا في السابق يدفنون موتاهم في مقبرة “تاغزوت” المذكورة. وقد جاء ذلك، كنتيجة للصعوبات الجمة الناتجة عن حمل جثامين موتاهم إلى المقبرة المذكورة مضطرين لقطع الوادي الذي يفصل بينهم وبين تلك المقبرة. وقد كانوا في بعض الأحيان يضطرون إلى تأجيل الدفن، على الرغم من أن التعجيل هو المسنون، إلى حين تراجع منسوب مياه  ذلك الوادي، الذي يعد أهم رافد من روافد نهر “سبو”.

وبناء على ذلك، فلابد أن تكون هناك مدافن أخرى لم نتعرض لها مثل مقبرة “مجنيبة” ومقابر أيت عبد الله، ومقبرة “تفرنت” الخاصة ب”أيت بنيشو” و”إمهاوشن” وغيرهم، ومقبرة “أيت صالح”، ومقابر التجمعات السكانية المتواجدة في المنطقة الواقعة غرب وجنوب المرس في اتجاه مرتفعات السلسلة الجبلية المعروفة بــ” تيشكت”.

2- المقابر المغمورة:

تعتبر المدافن من أهم الشواهد والأدلة على وجود نشاط بشري في تلك المنطقة. وإذا ما لاحظنا عدد المقابر القديمة المتواجدة بمنطقة التي نحن بصدد الحديث عنها وتوزيعها على مختلف الجهات فإننا سنستنتج أنها قد كانت مسرحا لمرور عدد من المكونات البشرية بعضها مذكور في وثائق وإن كانت قليلة، مثل زعير، وبني حسن، وبني زوليت، والمطالسة ، وأيت معزوز… والبعض الآخر تذكره الرواية الشفهية مثل بني مرين، وبني وطاس، وأيت سادن، وأيت بلقاسم وغيرهم. ومن بين تلك المقابر، مقبرة “ثْبُوطْ أُحْطَّابْ”، و”إِجْرَانْ أَيْتْ لْمَانْ”، و”دِّلِيثْ” و”بُيْصَنْضَالْ” فيما يعرف ببوخاموج، و”إِصَنْضَالْ لْمْدَوَّرْ” في أيت مخشون، وقبور “أيت عرفة” بالقرب من المكان المعروف ب”أنفيف” بين أيت مخشون وجيرانهم أيت أومار وأيت جافر من قبيلة مرموشة،  و”إصندال بُيْزْضْمِوَنْ” في تفران بأيت مخشون، و”إِصنضال أيت عبد الرحمن” بالقرب من المنزل المعروف بمنزل البوهالي بأيت السبع، و”قبور للا مريم ” في أسفل بلدة “تنمللت”، وقبور”سيدي باب يِّجَرْ و”َمَانْ”، القريبة من سيدي محند أزروال. وفيما يخص إسم الشخص المنسوبة إليه هذه المقبرة فيظهر بحسب ما تناقلته الألسن أم ذلك الشخص كان يملك حقل مسقي وعرف بذلك ونسب إليه أي صاحب الحقل المسقي. أما بخصوص، القبور المذفونة بجواره، فقد قيل لي أنها لأناس قضوا بالمجاعة والأمراض.

كما توجد مقبرة بالقرب من تيزي إسوليتن” تعرف بمقبرة ” الحاج”. فمن هو هذا الحاج يا ترى؟. أما في المرس، في إتجاه منازل “إخزيزن”، فهناك ما يعرف ب” إصنضال نصليب”. فهل لهذه التسمية علاقة بديانة من دفن أو دفنوا فيها؟ وقد تدلنا طريقة الدفن واستقبالهم للقبلة أو لا عن ديانة هذه المقبرة.

وبخصوص، باقي المقبرات السالف ذكرها، فعلى ما يظهر أنها إسلامية إلا قبرا يوجد فيما يعرف ب”جميلة”، فعلى ما قيل لي أنها غير “مُقَبَّلة”، أي متجهة نحو القبلة، وربما تنسب لزوجة أحد قياد الرومان الذين يحتمل أنهم مروا سواء في منطقة “تفازرت” أسفل ” تيلميرات أو في سكورة.

وقبل الختام، لا بد من الإشارة إلى وجود قبور للطائفة اليهودية التي مرت بالمرس، وهي الموجودة مقابل المرس الفوقاني. كما كانت تتواجد بالمكان المعروف ب”مسرسيون” مقبرة للجنون الفرنسيين وللفيفهم الأجنبي الذين قضوا في الحروب التي دارت بينهم وبين المجاهدين السغروشنيين عليهم الرحمات من رب العالمين.

(يتبع)
لحسن بن محمد انرز

ورقة تعريفية

تامسومانتتامسومانت

بسم الله الرحمن الرحيم

"Tamsomant" " تَامْسُّومَانْثْ "، أو " تامسومانت " ، بالتاء أو الثاء، حسب المناطق، مصطلح أمازيغي جد معبر. ومهما حاولنا ترجمتها إلى لغات أخرى، فلن نوفيها حقها. لأن الترجمة مهما بلغت من الدقة، فهي أقصر من أن توفي المصطلح المترجم حقه. فاللغة قبل أن تكون حروفا مميزة بأصوات معينة تتحكم فيها المخارج، فهي واجهة للأفكار وقاطرة  للتفكير الذي هو نتاج إنساني وحضاري.  ومع ذلك، وعملا بالقول المأثور" ما لا يدرك كله لا يترك جله"، فيمكن أن نقول أن تامسومانت تعني " الإلحاح في المحاولة من أجل بلوغ غاية محددة". أو بمعنى آخر، "بذل الجهد واستنفاذ كل الوسائل الممكنة من أجل بلوغ غاية معينة".

" تامسومانت " من حيث الهدف:

يعد موقع "تامسومنت Tamsomant"، كما يتبين من خلال" رمزه/Logo" الموقع باسم "انـــرز"، محاولة ومبادرة عائلية توثيقية محلية يتولى فيه لحسن بن محمد انــرز تحرير" بطاقاته ومذكراته Ses fiches et notes "، في حين يسهر على الجانب التدبيري والفني والتقني عبدالله بن لحسن انــرز.  وكما يلاحظ الزائر الكريم، فشعاره المثل الأمازيغي البليغ" مْلِيدْ إِثِنْزَارْ خْوَانْثْ ثْمِزَارْ"، أي لولا عزة النفس والغيرة لخلت المَواطن والأوطان . وقد انطلق موقع "تامسومانت" من القناعة بأن في حفظ الذاكرة المحلية إثراء للذاكرة الوطنية ومساهمة في إدخارها وتوريثها، بحول الله وتوفيق منه، للأجيال اللاحقة. إضافة إلى القناعة السابقة، هناك قناعة أخرى تتجلى في الوعي بعدم احتكار المعلومةمن الناس. فقد ولى زمن الشعار " من ملك المعلومة ملك السلطة". والسلطة هنا بمفهومها الواسع الذي من بين معانيه الريادة، مما يعني أنه يهم الأسرة، والعائلة ، والجمعية و غير ها . فالمعلومة، إذا كانت غير شخصية وتهم مجموعة من الناس فهي بمثابة ملك مشاع. فلمن يهمه الأمر الحق في الاطلاع عليها. فالوثائق الراجعة إلى جدع مشترك (جد سلالة مثلا...)، من حق من انتسلوا منه أن يطلعوا عليها وأن يأخذوا منها نسخا إذا دعت الضرورة إلى ذلك. فكما لهم الحق في إرثه المادي، لهم النصيب في "إرثه الوثائقي".

وفكرة المشروع التوثيقي المحلي هذه لم تكن وليدة اليوم، وإنما ترجع لسنوات عديدة. وقد كان الإهتمام بها متجها في البداية إلى تأليف مؤلف ورقي حول الموضوع. إلا أنه مع مرور الوقت، وأمام التراجع النسبي للإهتمام ب"التأليف الملموس"، أي على الأوراق،  مقابل تنامي "التأليف الإفتراضي" بسبب ثورة تكنولوجيات المعلومات والإتصال وما يوفره ذلك من إمكانيات هائلة وآفاق واسعة أمام التأليف والنشر والإبداع، تم غض الطرف عن المشروع الأول والإتجاه نحو إحداث "تامسومانت" كموقع إلكتروني لتنفيذ المبتغى.

ومما زاد هذه الفكرة رسوخا ودفع في اتجاه تنفيذها، توفر الخبرة، بحمد الله، في الوسط العائلي، إضافة إلى وجود نواة توثيقية، وإن بدت جنينية، من مخطوطات وصور وتسجيلات، وبعض "التقييدات" الخاصة ببعض الأحداث المخشونية.

و "تامسومانت"، كأي عمل بشري مهما بذل فيه من جهد فإنه يبقى ناقصا وأقل من المطمح. ولكن مهما يكن، فالمبتغى في المقام الأول هو إثارة الانتباه إلى هذا الجانب الذي لم ينل حظه من الاهتمام التوثيقي لا من القدامى ولا من المعاصرين. ولعل هذا العمل أن يستفز ذوي الاختصاص من أبناء المنطقة وغيرهم ليقدموا الأفضل بحول الله وتوفيقه.

وبعبارة مجملة، ف"تامسومانت" هي بمثابة إلقاء حجر في الماء الراكد حتى لا يزيد أسونا. والأمل في مثقفينا، وخاصة الشباب منهم، أن يولوا المزيد من الاهتمام لأرض أجدادهم الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجلها. فجمالية الأشجار ونضارة ثمارها ووفرتها من سلامة الجذور التي تغذيها. وتلك هي الرسالة التي يحاول "موقع تامسومانث" تمريرها. وبتعبير آخر، وبمحاولة شعرية أمازيغية، فــ"تامسومانث" هو باختصار ما يلي:

أَتَمْسُّومَانْثْ مْـــشَمْ إِرَ رَبِّ                       ذَتْنْبَّهْثْ أُنَّ هْوَنِينْ أُلِّيْتْسَالْ
يا موقع ثمسومانث إذا أراد الله سوف تنبه المتهاون الذي لا يسأل
أُرْدِيسْ إِلِّ شَوْنْزْيُومْ أُرِهَوِّيلْ                      خْمَچْكِّينْ چْمَزِيرْنْسْ أَتِسِينْ
ولايهتم بتاتا ولا ينشغل بمعرفة ماضي بلده
وْنَّوْرِسِّينْ لْجْدُودْ أُلَحْدُودْ                     وَخَّدَرْنْ إِمُّوثْ شَلَّبَسْ أُرْثْيِينْ
إن الذي لا يعرف الأجداد ولا الحدود كالميت وإن بدا حيا، فحاله ميؤوس منه
تَمْـــــــسُّومَانْثْ زِّيلْ أُنَّ تِيَانْ إِسِّرْدْ  لاَمَّ أُرِقِمْ أَتـْـــــــــــــدْفُورْ
ثمــــــسومانث خير لمن قام بها أزال عنه الملامة  وتحرر من تبعاتها

" تامسومانت " من حيث المحتوى:

كما يلاحظ الزائر الكريم، ينقسم موقع " تامسومانت Tamsomant " إلى ستة أجزاء رئيسية وهي: فضاء النباتات - فضاء الحيوانات (الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات...) - وفضاء المعالم (المعالم الطبيعية والمعالم البشرية) - فضاء التراث الثقافي- فضاء السمعي- البصري- فضاء أخرى.

وكل جزء من الأجزاء الستة يتفرع بدوره إلى فروع، يعالج كل واحد منها جانبا من جوانب المقدرات المخشونية. وبذلك، نأمل أن لا يصاب المتصفح الكريم، بحول الله وقوته، بالملل وهو يتنقل بين محتويات هذا الموقع.

وختاما، لابد من التنصيص على أن "موقع تامسومانت Tamsomant " ينأى بنفسه عن أن ينحرف عن الغرض الذي أنشأ من أجله، ألا وهو خدمة توثيق التراث المحلي المخشوني. وبذلك، فهو لا يطمح أن يكون لا منبرا سياسيا ولا وسيلة إعلامية ولا إرشادية.

لحسن بن محمد انـــرز

ابحث في الموقع

النشرة البريدية